للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْوَاحِدِ لَا يَتَفَاضَلُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَقْدُورِ الْوَاحِدِ لَا تَتَفَاضَلُ وَقَوْلُهُ: وَرُؤْيَةُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَا تَتَفَاضَلُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْهِلَالَ الْمَرْئِيَّ يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فِي رُؤْيَتِهِ وَكَذَلِكَ سَمْعُ الصَّوْتِ الْوَاحِدِ يَتَفَاضَلُونَ فِي إدْرَاكِهِ وَكَذَلِكَ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ يَتَكَلَّمُ بِهَا الشَّخْصَانِ وَيَتَفَاضَلُونَ فِي النُّطْقِ بِهَا وَكَذَلِكَ شَمُّ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَذَوْقِهِ يَتَفَاضَلُ الشَّخْصَانِ فِيهِ. فَمَا مِنْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْحَيِّ وَأَنْوَاعِ إدْرَاكَاتِهِ وَحَرَكَاتِهِ بَلْ وَغَيْرِ صِفَاتِ الْحَيِّ إلَّا وَهِيَ تَقْبَلُ التَّفَاضُلَ وَالتَّفَاوُتَ إلَى مَا لَا يَحْصُرُهُ الْبَشَرُ حَتَّى يُقَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ مِثْلَ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ عِلْمُ اللَّهِ بِالشَّيْءِ أَكْمَلُ مِنْ عِلْمِ غَيْرِهِ بِهِ كَيْفَ مَا قَدَّرَ الْأَمْرَ وَلَيْسَ تَفَاضُلُ الْعِلْمَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ فَقَطْ؛ بَلْ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى. وَالْإِنْسَانُ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ أَنَّ عِلْمَهُ بِمَعْلُومِهِ يَتَفَاضَلُ حَالُهُ فِيهِ كَمَا يَتَفَاضَلُ حَالُهُ فِي سَمْعِهِ لِمَسْمُوعِهِ؛ وَرُؤْيَتِهِ لِمَرْئِيِّهِ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى مَقْدُورِهِ وَحُبِّهِ لِمَحْبُوبِهِ وَبُغْضِهِ لِبَغِيضِهِ وَرِضَاهُ بِمُرْضِيهِ وَسَخَطِهِ لِمَسْخُوطِهِ، وَإِرَادَتِهِ لِمُرَادِهِ، وَكَرَاهِيَتِهِ لِمَكْرُوهِهِ وَمَنْ أَنْكَرَ التَّفَاضُلَ فِي هَذِهِ الْحَقَائِقِ كَانَ مُسَفْسِطًا. (الْوَجْهُ الْخَامِسُ) : أَنَّ التَّفَاضُلَ يَحْصُلُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ جِهَةِ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لَهَا؛ فَمَنْ كَانَ مُسْتَنِدٌ تَصْدِيقَهُ وَمَحَبَّتَهُ أَدِلَّةً تُوجِبُ الْيَقِينَ وَتُبَيِّنُ فَسَادَ الشُّبْهَةِ الْعَارِضَةِ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ تَصْدِيقُهُ لِأَسْبَابِ دُونِ ذَلِكَ بَلْ مَنْ جُعِلَ لَهُ عُلُومٌ ضَرُورِيَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهَا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تُعَارِضُهُ