فَضَرَبُوا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ الْأَمْثَالَ؛ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا؛ وَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَمْثَالِ ضَالُّونَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: إنَّمَا مَثَّلُوا بِهِ مِنْ الْمَادَّةِ مَعَ الصُّورَةِ وَالْكُلِّيَّاتِ مَعَ الْجُزْئِيَّاتِ وَالْوُجُودِ مَعَ الثُّبُوتِ: كُلُّ ذَلِكَ يَرْجِعُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا شَيْئَيْنِ فَجَعَلُوا الْوَاحِدَ اثْنَيْنِ كَمَا جَعَلُوا الِاثْنَيْنِ وَاحِدًا فِي مِثْلِ صِفَاتِ اللَّهِ يَجْعَلُونَ الْعِلْمَ هُوَ الْعَالِمُ، وَالْعِلْمَ هُوَ الْمَعْلُومُ وَالْعِلْمَ هُوَ الْقُدْرَةُ، وَالْعِلْمَ هُوَ الْإِرَادَةُ وَأَنْوَاعُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي إذَا تَدَبَّرَهَا الْعَاقِلُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ، وَأَعْظَمِ النَّاسِ قَوْلًا لِلْبَاطِلِ؛ مَعَ مَا فِي نُفُوسِهِمْ وَنُفُوسِ أَتْبَاعِهِمْ مِنْ الدَّعَاوَى الْهَائِلَةِ الطَّوِيلَةِ الْعَرِيضَةِ كَمَا يَدَّعِي إخْوَانُهُمْ الْقَرَامِطَةُ الْبَاطِنِيَّةُ أَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ مَعْصُومُونَ مِثْلُ الْأَنْبِيَاءِ وَهُمْ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَضَلِّهِمْ وَأَكْفَرِهِمْ. (الثَّانِي) : أَنَّهُمْ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ يَجْعَلُونَ وُجُودَهُ مَشْرُوطًا بِوُجُودِ غَيْرِهِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ مُبْدِعًا لَهُ؛ فَإِنَّ وُجُودَ الْكُلِّيَّاتِ فِي الْخَارِجِ مَشْرُوطٌ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَوُجُودَ الْمَادَّةِ مَشْرُوطٌ بِالصُّورَةِ وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ، وَوُجُودَ الْأَعْيَانِ مَشْرُوطٌ بِثُبُوتِهَا الْمُسْتَقِرِّ فِي الْعَدَمِ؛ فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَنْ يَكُونَ وَاجِبُ الْوُجُودِ مَشْرُوطًا بِمَا لَيْسَ هُوَ مِنْ مُبْدِعَاتِهِ، وَمَا كَانَ وُجُودُهُ مَوْقُوفًا عَلَى غَيْرِهِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ مَصْنُوعًا لَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ وَهَذَا بَيِّنٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute