للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأُولَئِكَ الْمُسْتَكْبِرُونَ الْمُتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ مَصْرُوفُونَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَعْلَمُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ لَمَّا تَرَكُوا الْعَمَلَ بِمَا عَلِمُوهُ اسْتِكْبَارًا وَاتِّبَاعًا لِأَهْوَائِهِمْ عُوقِبُوا بِأَنْ مُنِعُوا الْفَهْمَ وَالْعِلْمَ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ حَرْبٌ لِلْمُتَعَالِي كَمَا أَنَّ السَّيْلَ حَرْبٌ لِلْمَكَانِ الْعَالِي وَاَلَّذِينَ يَرْهَبُونَ رَبَّهُمْ عَمِلُوا بِمَا عَلِمُوهُ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ عِلْمًا وَرَحْمَةً إذْ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَلِهَذَا لَمَّا وَصَفَ اللَّهُ النَّصَارَى: {بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} . وَالرُّهْبَانُ: مِنْ الرَّهْبَنَةِ {وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} كَانُوا بِذَلِكَ أَقْرَبَ مَوَدَّةً إلَى الَّذِينَ آمَنُوا. كَمَا قَالَ: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} . فَلَمَّا كَانَ فِيهِمْ رَهْبَةٌ وَعَدَمُ كِبْرٍ كَانُوا أَقْرَبَ إلَى الْهُدَى فَقَالَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعَ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ وَهُمْ الْأُمَّةُ الشُّهَدَاءُ فَإِنَّ النَّصَارَى لَهُمْ قَصْدٌ وَعِبَادَةٌ وَلَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ وَشَهَادَةٌ؛ وَلِهَذَا فَإِنْ كَانَ الْيَهُودُ شَرًّا مِنْهُمْ؛ بِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ كِبْرًا وَأَقَلُّ رَهْبَةً وَأَعْظَمُ قَسْوَةً فَإِنَّ النَّصَارَى شَرٌّ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْظَمُ ضَلَالًا وَأَكْثَرُ شِرْكًا وَأَبْعَدُ عَنْ تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِالشِّرْكِ الَّذِي ابْتَدَعُوهُ كَمَا وَصَفَ الْيَهُودَ بِالْكِبْرِ الَّذِي هَوُوهُ فَقَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ