للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ دَلَالَةَ الِاسْمِ تَنَوَّعَتْ بِالْإِفْرَادِ وَالِاقْتِرَانِ كَلَفْظِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أُفْرِدَ تَنَاوَلَ الْآخَرَ وَإِذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا كَانَا صِنْفَيْنِ: كَمَا فِي آيَةِ الصَّدَقَةِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ فُرُوعَ الْإِيمَانِ مَعَ أُصُولِهِ كَالْمَعْطُوفَيْنِ وَهِيَ مَعَ جَمِيعِهِ كَالْبَعْضِ مَعَ الْكُلِّ وَمِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ نَشَأَ نِزَاعٌ وَاشْتِبَاهٌ هَلْ الْأَعْمَالُ دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَانِ أَمْ لَا؟ لِكَوْنِهَا عُطِفَتْ عَلَيْهِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَدْ يُعْطَفُ عَلَى الْإِيمَانِ بَعْضُ شُعَبِهِ الْعَالِيَةِ أَوْ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ الرَّفِيعَةِ: كَالْيَقِينِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُشْعِرُ الْعَطْفُ بِالْمُغَايَرَةِ؛ فَيُقَالُ هَذَا: أَرْفَعُ الْإِيمَانِ - أَيْ الْيَقِينُ وَالْعِلْمُ أَرْفَعُ مِنْ الْإِيمَانِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ هَذَا الْيَقِينُ وَالْعِلْمُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} . وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاضَلُونَ فِي نَفْسِ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ فِي قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ وَفِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ وَفِي بَقَائِهِ وَدَوَامِهِ وَفِي مُوجِبِهِ وَنَقِيضِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِ فَيُخَصُّ أَحَدُ نَوْعَيْهِ بِاسْمِ يَفْضُلُ بِهِ عَلَى النَّوْعِ الْآخَرِ وَيَبْقَى اسْمُ الْإِيمَانِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مُتَنَاوِلًا لِلْقِسْمِ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ؛ كَمَا يُقَالُ: الْإِنْسَانُ خَيْرٌ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْإِنْسَانُ خَيْرٌ مِنْ الدَّوَابِّ وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ يَدْخُلُ فِي الدَّوَابِّ فِي قَوْلِهِ: {إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} . فَإِذَا عُرِفَ هَذَا؛ فَحَيْثُ وُجِدَ فِي كَلَامٍ مَقْبُولٍ تَفْضِيلُ شَيْءٍ عَلَى الْإِيمَانِ فَإِنَّمَا هُوَ تَفْضِيلُ نَوْعٍ خَاصٍّ عَلَى عُمُومِهِ أَوْ تَفْضِيلُ بَعْضِ شُعَبِهِ الْعَالِيَةِ عَلَى غَيْرِهِ،