مَخْلُوقَةٌ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُمْسِكْ عَنْ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ أَفْعَالُ الْعِبَادِ كُلُّهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ أَوْ قَدِيمَةٌ؛ وَيَقُولُ لَيْسَ مُرَادِي بِالْأَفْعَالِ الْحَرَكَاتِ؛ بَلْ مُرَادِي الثَّوَابُ الَّذِي يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَحْتَجُّ هَذَا بِأَنَّ الْقَدَرَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَالشَّرْعَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَيَجْعَلُ أَفْعَالَ الْعِبَادِ هِيَ: الْقَدَرُ وَالشَّرْعُ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْقَدَرِ وَالْمَقْدُورِ وَالشَّرْعِ وَالْمَشْرُوعِ؛ فَإِنَّ الشَّرْعَ الَّذِي هُوَ أَمْرُ اللَّهِ وَنَهْيُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَمَّا الْأَفْعَالُ الْمَأْمُورُ بِهَا وَالْمَنْهِيُّ عَنْهَا فَلَا رَيْبَ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ؛ وَكَذَلِكَ الْقَدَرُ الَّذِي هُوَ عِلْمُهُ وَمَشِيئَتُهُ وَكَلَامُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَمَّا الْمُقَدَّرَاتُ: الْآجَالُ وَالْأَرْزَاقُ وَالْأَعْمَالُ فَكُلُّهَا مَخْلُوقَةٌ وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَقَائِلِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ كُلُّهُمْ بَرِيئُونَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ لَا مَعْنَى قَائِمٌ بِالذَّاتِ وَلَا إنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ فِي الْقَدِيمِ بِحَرْفِ وَصَوْتٍ وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي الْقَدِيمِ بِحَرْفِ قَدِيمٍ؛ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا وَإِنَّ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَكَلَامُهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} وَهُوَ قَدِيمٌ بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ؛ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الصَّوْتَ الْمُعَيَّنَ قَدِيمٌ كَمَا بَسَطْت الْكَلَامَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى اخْتِلَافِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى: مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلْهُ فَيْضًا مِنْ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute