للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ الِاسْمَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي الْكَمَالَ؛ وَهَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلْمُتَكَلِّمِ كَمَا [قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: أَدْرَكْت ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ كُلَّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَقُولُ إنَّ إيمَانِي كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ] (١) فَإِخْبَارُ الرَّجُلِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَامِلُ الْإِيمَانِ خَبَرٌ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمُنَزَّلِ: أَنَّ الْمُرْجِئَةَ تَقُولُ إنَّ حَسَنَاتِهَا مَقْبُولَةٌ وَأَنَا لَا أَشْهَدُ بِذَلِكَ وَهَذَا مَأْخَذٌ يَصْلُحُ لِوُجُوبِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهَذَا الْمَأْخَذُ الثَّانِي لِلْقَاضِي فَإِنَّ الْمُنَازِعَ احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ. قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِسْلَامَ مُجَرَّدُ الشَّهَادَتَيْنِ وَقَدْ أَتَى بِهِمَا وَالْإِيمَانُ أَقْوَالٌ وَأَعْمَالٌ لِقَوْلِهِ {الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا} وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ. " الْمَأْخَذُ الثَّالِثُ ": أَنَّ ذَلِكَ تَزْكِيَةٌ لِلنَّفْسِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} وَهَذَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَإِلَّا فَإِخْبَارُ الرَّجُلِ بِصِفَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا جَائِزٌ وَإِنْ كَانَتْ مَدْحًا وَقَدْ يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ قَالَ الْأَثْرَمُ فِي " السُّنَّةِ ": حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا بَلَغَنِي إلَّا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ مَا تَقُولُ فِيهِ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَعِيبُهُ. . . (٢) فَأَسْتَثْنِي مَخَافَةً وَاحْتِيَاطًا لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ عَلَى الشَّكِّ إنَّمَا يُسْتَثْنَى لِلْعَمَلِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ اللَّهُ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ} أَيْ إنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لِغَيْرِ شَكٍّ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ


(١) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٦٦):
وهذا الأثر من قول ابن أبي مليكة كما رواه البخاري معلقاً، وقد ذكره الشيخ رحمه الله ونسبه إلى ابن أبي مليكة مراراً، بل ذكره عنه في المجلد قبل هذا الموضع وبعده (ص ٤٧٠، ٦٨١)، وأظن الموجود هنا تصحيف من النساخ، فإن هذه الصفحة قد وقع فيها سقط أيضا كما في الفقرة التالية، والله أعلم.
(٢) سقط في الأصل مقدار نصف سطر
قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٦٧):
وكلام الإمام أحمد كاملا برواية الأثرم هو (أما أنا فلا أعيبه، إذا كان يقول: إن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فاستثنى مخافة واحتياطا ليس كما يقولون على الشك، إنما يستثنى للعمل) وقد مر ذكره في هذا المجلد بتمامه: ٧/ ٢٥٤، ٢٥٥.