للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والباجي وَنَحْوِهِمْ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ الْمُجْبِرَةِ. وَالْفَلَاسِفَةُ لَهُمْ قَوْلٌ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا. وَهُوَ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ عَذَابِ النُّفُوسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ. فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ وَكُلُّ مَا يَقَعُ هُوَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ. وَلَوْ قَالُوا إنَّهُ مُوجِبٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لِمَا يَفْعَلُهُ لَكَانُوا قَدْ أَصَابُوا. وَقَدْ قَالُوا أَيْضًا الشَّرُّ يَقَعُ فِي الْعَالَمِ مَغْلُوبًا مَعَ الْخَيْرِ فِي الْوُجُودِ. وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لَكِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ قَدْ خَلَقَ لِحِكْمَةِ مَعْلُومَةٍ تَسْلَمُ وَلَا تَعُدْ وَإِلَّا فَمَعَ انْتِفَاءِ هَذَيْنِ يَبْقَى الْكَلَامُ ضَائِعًا فَفِي قَوْلِ كُلِّ طَائِفَةٍ نَوْعٌ مِنْ الْحَقِّ وَنَوْعٌ مِنْ الْبَاطِلِ فَهَذِهِ " أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ ".

وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَوْلُ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ أَنَّ لَهُ حِكْمَةً فِي كُلِّ مَا خَلَقَ؛ بَلْ لَهُ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَيْ مِنْ " الثَّلَاثَةِ " الَّتِي لِأَهْلِ الْكَلَامِ: إنَّهُ يَخْلُقُ وَيَأْمُرُ لِحِكْمَةِ تَعُودُ إلَى الْعِبَادِ وَهُوَ نَفْعُهُمْ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ؛ فَلَمْ يَخْلُقْ وَلَمْ يَأْمُرْ إلَّا لِذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي تَفْصِيلِ الْحِكْمَةِ، فَأَنْكَرَ الْقَدَرَ؛ وَوَضَعَ لِرَبِّهِ شَرْعًا بِالتَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيزِ. وَهَذَا قَوْلُ " الْقَدَرِيَّةِ " وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِالْقَدَرِ وَقَالَ: لِلَّهِ حِكْمَةٌ خَفِيَتْ عَلَيْنَا. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ