للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَنَحْوُهُمْ فَحَاشَاهُمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مَنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَلَكِنْ قَصَدُوا الرَّدَّ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ الْقَائِلِينَ: بِأَنَّهُ يَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ وَيَكُونُ مَا لَا يَشَاءُ. وَهَؤُلَاءِ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْبِيدِهِمْ وَتَصْرِيفِهِمْ تَحْتَ مَشِيئَتِهِ فَأَرَادُوا إبْطَالَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَنِعْمَ مَا أَرَادُوا لَكِنَّ الْكَلَامَ فِيمَا أُرِيدَ بِالْآيَةِ. وَقَوْلُ أُولَئِكَ الْإِبَاحِيَّةِ يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَارِفَ إذَا شَهِدَ الْمَشِيئَةَ سَقَطَ عَنْهُ الْمَلَامُ وَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ الْحُكْمَ - يَعْنِي الْمَشِيئَةَ - لَمْ يُسْتَحْسَنْ وَلَمْ يُسْتَقْبَحْ سَبَبُهُ وَنَحْوُ هَذَا مِنْ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُشْبِهُ أَقْوَالُهُمْ أَقْوَالَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَبَيَّنَ أَنَّ إثْبَاتَ الْقَدَرِ السَّابِقِ حَقٌّ لَكِنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَصِيرُ الْعَبْدُ إلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي فُطِرَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ} . فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَثَلٍ ضَرَبَهُ أَنَّ الْبَهِيمَةَ تُولَدُ سَلِيمَةً ثُمَّ تُجْدَعُ وَالْجَدْعُ كَانَ مُقَدَّرًا عَلَيْهَا؛ كَذَلِكَ الْعَبْدُ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ سَلِيمًا ثُمَّ يَفْسُدُ بِالتَّهَوُّدِ وَالتَّنْصِيرِ وَذَلِكَ كَانَ مَكْتُوبًا أَنْ يَكُونَ. وَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا قَالَهُ لِيُبَيِّنَ مَا خُلِقُوا لَهُ وَقَدْ قَصَدَ هَذَا طَائِفَةٌ