للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رِضَاهُ كَمَا يُقَالُ: إنَّ الْأَبَ يُجْبِرُ الْمَرْأَةَ عَلَى النِّكَاحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُجْبِرًا بِهَذَا التَّفْسِيرِ فَإِنَّهُ يَخْلُقُ لِلْعَبْدِ الرِّضَا وَالِاخْتِيَارَ بِمَا يَفْعَلُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ جَبْرًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَيُرَادُ بِالْجَبْرِ خَلْقُ مَا فِي النُّفُوسِ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْإِرَادَاتِ كَقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القرظي: الْجَبَّارُ الَّذِي جَبَرَ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَ وَكَمَا فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " جَبَّارُ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَاتِهَا: شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا " وَالْجَبْرُ ثَابِتٌ بِهَذَا التَّفْسِيرِ. فَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْجَبْرِ مُجْمَلًا نَهَى الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ عَنْ إطْلَاقِ إثْبَاتِهِ أَوْ نَفْيِهِ. وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الرِّزْقِ " فِيهِ إجْمَالٌ فَقَدْ يُرَادُ بِلَفْظِ الرِّزْقِ مَا أَبَاحَهُ أَوْ مَلَّكَهُ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَامُ فِي مُسَمَّى هَذَا الرِّزْقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وقَوْله تَعَالَى {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} وَقَوْلُهُ {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا} وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَقَدْ يُرَادُ بِالرِّزْقِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْحَيَوَانُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إبَاحَةٌ وَلَا تَمْلِيكٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحَرَامُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الصَّحِيحِ: {فَيُكْتَبُ رِزْقُهُ وَعَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ} . وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْجَبْرِ وَالرِّزْقِ وَنَحْوِهِمَا فِيهَا إجْمَالٌ مَنَعَ الْأَئِمَّةُ مِنْ إطْلَاقِ ذَلِكَ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الأوزاعي وَأَبِي إسْحَاقَ الفزاري وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ.