للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِانْتِهَاءِ فَإِنْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا ابْتِدَاءٌ أَمْكَنَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِدُونِ تَسَلْسُلِهَا فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: لَوْ فَعَلَ لِعِلَّةِ مُحْدَثَةٍ لَكَانَ الْقَوْلُ فِي حُدُوثِ تِلْكَ الْعِلَّةِ كَالْقَوْلِ فِي حُدُوثِ مَعْلُولِهَا وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ كَانَ جَوَابُهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الْحَوَادِثَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ابْتِدَاءٌ وَإِذَا فَعَلَ الْفِعْلَ لِحِكْمَةِ مُحْدَثَةٍ كَانَ الْفِعْلُ وَحِكْمَتُهُ مُحْدَثَيْنِ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِلَّةِ الْمُحْدَثَةِ عِلَّةٌ مُحْدَثَةٌ إلَّا إذَا جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْحَوَادِثِ ابْتِدَاءٌ. فَأَمَّا إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهَا ابْتِدَاءٌ بَطَلَ هَذَا السُّؤَالُ فَكَيْفَ إذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا ابْتِدَاءٌ. وَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَوَادِثُ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا أَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ فِي الِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَجُمْهُورِ الْخَلْقِ وَلَمْ يُنَازِعْ فِي ذَلِكَ إلَّا بَعْضُ أَهْلِ الْبِدَعِ: الَّذِينَ يَقُولُونَ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ كَمَا يَقُولُهُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ أَوْ بِفَنَاءِ حَرَكَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو الهذيل فَإِنَّ هَذَيْنِ أَوْجَبَا أَنْ يَكُونَ لِجِنْسِ الْحَوَادِثِ انْتِهَاءٌ كَمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا عِنْدَهُمْ ابْتِدَاءٌ وَأَكْثَرُ الَّذِينَ وَافَقُوهُمْ عَلَى وُجُوبِ الِابْتِدَاءِ خَالَفُوهُمْ فِي الِانْتِهَاءِ وَقَالُوا لَهَا ابْتِدَاءٌ وَلَيْسَ لَهَا انْتِهَاءٌ. وَالطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ قَالَتْ لَيْسَ لَهَا ابْتِدَاءٌ وَلَا انْتِهَاءٌ. وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ الْجَوَابَ يَحْصُلُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ؛ فَمَنْ جَوَّزَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا نِهَايَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ جَوَّزَ تَسَلْسُلَ الْحَوَادِثِ وَقَالَ: هَذَا تَسَلْسُلٌ فِي الْآثَارِ وَالشُّرُوطِ؛ لَا تَسَلْسُلٌ فِي الْعِلَلِ وَالْمُؤَثِّرَاتِ وَالْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ