للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَنْ عَرَفَ هَذَا حَقَّ الْمَعْرِفَةِ انْفَتَحَ لَهُ بَابُ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنْ يُدْعَى غَيْرُهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُعْبَدَ غَيْرُهُ وَلَا يُتَوَكَّلَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُرْجَى غَيْرُهُ وَهَذَا مُبَرْهَنٌ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ وَأَفْعَالِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَشَفَاعَتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ فَإِنَّ مَنْ تَوَكَّلَ فِي الشَّفَاعَةِ أَوْ الدُّعَاءِ عَلَى مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ: هَذَا أَيْضًا سَبَبٌ مِنْ الْأَسْبَابِ فَهَذَا الشَّافِعُ وَالدَّاعِي لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ بَلْ شَفَاعَةُ أَهْلِ طَاعَتِهِ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَنْ يَرْضَاهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} . فَلَيْسَ أَحَدٌ يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ الْإِذْنَ الْقَدَرِيَّ الْكَوْنِيَّ فَإِنَّ شَفَاعَتَهُ مِنْ جِهَةِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لَا تَكُونُ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فَلَيْسَ كَالْمَخْلُوقِ الَّذِي يَشْفَعُ إلَيْهِ شَافِعٌ تَكُونُ شَفَاعَتُهُ بِغَيْرِ حَوْلِ الْمَشْفُوعِ إلَيْهِ وَقُوَّتِهِ بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ شَفَاعَةِ الشَّافِعِ كَسَائِرِ التَّحَوُّلَاتِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِهِ و " الْحَوْلُ " يَتَضَمَّنُ التَّحَوُّلَ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ بِحَرَكَةِ أَوْ إرَادَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَالشَّافِعُ لَا حَوْلَ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَلَا غَيْرِهَا إلَّا بِهِ ثُمَّ أَهْلُ طَاعَتِهِ الَّذِينَ تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُمْ لَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنْ ارْتَضَى فَلَا يَطْلُبُونَ مِنْهُ مَا لَا يُحِبُّ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ بَلْ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ مَلَائِكَتُهُ كَمَا قَالَ فِيهِمْ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} .