للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ فِي صَدْرِ الْبَقَرَةِ - بَعْدَ أَنْ صَنَّفَ الْخَلْقَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ وَمُنَافِقٌ - فَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وَذَكَرَ آلَاءَهُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ نِعْمَتَهُ وَقُدْرَتَهُ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِتَقْرِيرِهِ النُّبُوَّةَ بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} . وَالْمُتَكَلِّمُ يَسْتَحْسِنُ مِثْلَ هَذَا التَّأْلِيفِ وَيَسْتَعْظِمُهُ حَيْثُ قُرِّرَتْ الرُّبُوبِيَّةُ ثُمَّ الرِّسَالَةُ وَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا مُوَافِقٌ لِطَرِيقَتِهِ الْكَلَامِيَّةِ فِي نَظَرِهِ فِي الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّاتِ أَوَّلًا: مِنْ تَقْرِيرِ الرُّبُوبِيَّةِ ثُمَّ تَقْرِيرِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ تَلَقِّي السَّمْعِيَّاتِ مِنْ النُّبُوَّةِ كَمَا هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ الْكَلَامِيَّةُ لِلْمُعْتَزِلَةِ والكَرَّامِيَة والْكُلَّابِيَة وَالْأَشْعَرِيَّةِ. وَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَ فِي إثْبَاتِ الصَّانِعِ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ ثُمَّ إثْبَاتِ صِفَاتِهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا بِالْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ - عَلَى مَا بَيْنَهُمْ فِيهِ مِنْ اتِّفَاقٍ وَاخْتِلَافٍ: إمَّا فِي الْمَسَائِلِ وَإِمَّا فِي الدَّلَائِلِ - ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَكَلَّمُونَ فِي السَّمْعِيَّاتِ مِنْ الْمَعَادِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْخِلَافَةِ وَالتَّفْضِيلِ وَالْإِيمَانِ بِطَرِيقِ مُجْمَلٍ. وَإِنَّمَا عُمْدَةُ الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ وَمُعْظَمُهُ: هُوَ تِلْكَ الْقَضَايَا الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْعَقْلِيَّاتِ وَهِيَ أُصُولُ دِينِهِمْ. وَقَدْ بَنَوْهَا عَلَى مَقَايِيسَ تَسْتَلْزِمُ رَدَّ كَثِيرٍ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ؛ فَلَحِقَهُمْ الذَّمُّ مِنْ جِهَةِ ضَعْفِ الْمَقَايِيسِ الَّتِي بَنَوْا عَلَيْهَا وَمِنْ جِهَةِ رَدِّهِمْ لِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ. وَهُمْ قِسْمَانِ: قِسْمٌ بَنَوْا عَلَى هَذِهِ الْعَقْلِيَّاتِ الْقِيَاسِيَّةِ: الْأُصُولَ الْعِلْمِيَّةَ دُونَ الْعَمَلِيَّةِ كَالْأَشْعَرِيَّةِ،