للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ النَّاسِ وَهُوَ قَوْلُ مُتَكَلِّمَةِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ وَالْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّهُ فِي الْخَارِجِ عَنْ الذِّهْنِ قَبْلَ وُجُودِهِ لَيْسَ بِشَيْءِ أَصْلًا وَلَا ذَاتٍ وَلَا عَيْنٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا حَقِيقَتُهُ وَالْآخَرُ وُجُودُهُ الزَّائِدُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَبْدَعَ الذَّوَاتِ الَّتِي هِيَ الْمَاهِيَّاتُ فَكُلُّ مَا سِوَاهُ سُبْحَانَهُ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَمَجْعُولٌ وَمُبْدَعٌ وَمَبْدُوءٌ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَكِنْ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ الْمَعْدُومُ لَيْسَ بِشَيْءِ أَصْلًا وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَيْئًا بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ فِي الْعِلْمِ فَكَانَ مَجَازًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا رَيْبَ أَنَّ لَهُ ثُبُوتًا فِي الْعِلْمِ وَوُجُودًا فِيهِ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ هَذَا الثُّبُوتِ وَالْوُجُودِ هُوَ شَيْءٌ وَذَاتٌ. وَهَؤُلَاءِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ كَمَا فَرَّقَ مَنْ قَالَ الْمَعْدُومُ شَيْءٌ وَلَا يُفَرِّقُونَ فِي كَوْنِ الْمَعْدُومِ لَيْسَ بِشَيْءِ بَيْنَ الْمُمْكِنِ وَالْمُمْتَنِعِ كَمَا فَرَّقَ أُولَئِكَ إذْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَيْسَ بِشَيْءِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْمُمْكِنِ. وَعُمْدَةُ مَنْ جَعَلَهُ شَيْئًا إنَّمَا هُوَ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْعِلْمِ؛ وَبِاعْتِبَارِ ذَلِكَ صَحَّ أَنْ يُخَصَّ بِالْقَصْدِ وَالْخَلْقِ وَالْخَبَرِ عَنْهُ وَالْأَمْرِ بِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالُوا: وَهَذِهِ التَّخْصِيصَاتُ تَمْتَنِعُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ فَإِنْ خُصَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوُجُودِ الَّذِي هُوَ الثُّبُوتُ الْعَيْنِيُّ وَبَيْنَ الْوُجُودِ الَّذِي هُوَ الثُّبُوتُ الْعِلْمِيُّ زَالَتْ الشُّبْهَةُ فِي هَذَا الْبَابِ.