للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اعْتَبَرَ وَتَعَرَّفَ نَفْسَهُ وَالنَّاسَ رَأَى الْوَاحِدَ يُرِيدُ نَفْسَهُ أَنْ تُطَاعَ وَتَعْلُوَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَالنُّفُوسُ مَشْحُونَةٌ بِحُبِّ الْعُلُوِّ وَالرِّئَاسَةِ بِحَسَبِ إمْكَانِهَا، فَتَجِدُهُ يُوَالِي مَنْ يُوَافِقُهُ عَلَى هَوَاهُ، وَيُعَادِي مَنْ يُخَالِفُهُ فِي هَوَاهُ، وَإِنَّمَا مَعْبُودُهُ مَا يَهْوَاهُ وَيُرِيدُهُ، قَالَ تَعَالَى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} وَالنَّاسُ عِنْدَهُ كَمَا هُمْ عِنْدَ مُلُوكِ الْكُفَّارِ مِنْ التُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ، " يال، ياغي " أَيْ صَدِيقِي وَعَدُوِّي، فَمَنْ وَافَقَ هَوَاهُمْ كَانَ وَلِيًّا وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ كَانَ عَدُوًّا وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُتَّقِينَ، وَهَذِهِ حَالُ فِرْعَوْنَ. وَالْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ يُرِيدُ أَنْ يُطَاعَ أَمْرُهُ بِحَسَبِ إمْكَانِهِ، لَكِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِمَّا تَمَكَّنَ مِنْهُ فِرْعَوْنُ مِنْ دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ وَجُحُودِ الصَّانِعِ، وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ أَقَرُّوا بِالصَّانِعِ فَإِذَا جَاءَهُمْ مَنْ يَدْعُوهُمْ إلَى عِبَادَةِ اللَّهِ الْمُتَضَمِّنَةِ تَرْكَ طَاعَتِهِمْ عَادَوْهُ، كَمَا عَادَى فِرْعَوْنُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عِنْدَهُ عَقْلٌ وَإِيمَانٌ لَا يَطْلُبُ هَذَا الْحَدَّ، بَلْ تَطْلُبُ نَفْسُهُ مَا هُوَ عِنْدَهُ، فَإِذَا كَانَ مُطَاعًا مُسْلِمًا طَلَبَ أَنْ يُطَاعَ فِي أَغْرَاضِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا هُوَ ذَنْبٌ وَمَعْصِيَةٌ لِلَّهِ، وَيَكُونُ مَنْ أَطَاعَهُ أَحَبَّ إلَيْهِ وَأَعَزَّ عِنْدَهُ مِمَّنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَخَالَفَ هَوَاهُ، وَهَذِهِ شُعْبَةٌ مِنْ حَالِ فِرْعَوْنَ وَسَائِرِ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ. وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَوْ شَيْخًا أَحَبَّ مَنْ يُعَظِّمُهُ دُونَ مَنْ يُعَظِّمُ نَظِيرَهُ، وَرُبَّمَا أَبْغَضَ نَظِيرَهُ حَسَدًا وَبَغْيًا كَمَا فَعَلَتْ الْيَهُودُ لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَدْعُو إلَى مِثْلِ مَا دَعا إلَيْهِ