للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا إذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ عِبَادَةٍ وَإِنَابَةٍ: كَانَ وَبَالًا عَلَى صَاحِبِهِ؛ وَشَقَاءً لَهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: {أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ} كإبليس اللَّعِينِ؛ فَإِنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِرَبِّهِ مُقِرٌّ بِوُجُودِهِ؛ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَعْبُدْهُ كَانَ رَأْسَ الْأَشْقِيَاءِ وَكُلُّ مَنْ شَقِيَ فَبِاتِّبَاعِهِ لَهُ. كَمَا قَالَ: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} . فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْلَأَ جَهَنَّمَ مِنْهُ وَمِنْ أَتْبَاعِهِ مَعَ أَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالرَّبِّ؛ مُقِرٌّ بِوُجُودِهِ وَإِنَّمَا أَبَى وَاسْتَكْبَرَ عَنْ الطَّاعَةِ؛ وَالْعِبَادَةِ؛ وَالْقُوَّةِ الْعِلْمِيَّةِ مَعَ الْعَمَلِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ وَالْغَايَةِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ الْعِلْمُ بِلَا عَمَلٍ كَالشَّجَرِ بِلَا ثَمَرٍ وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ هُنَا عَمَلُ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ إنَابَتُهُ إلَى اللَّهِ وَخَشْيَتُهُ لَهُ حَتَّى يَكُونَ عَابِدًا لَهُ. فَالرُّسُلُ وَالْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ: أَمَرَتْ بِهَذَا وَأَوْجَبَتْهُ بَلْ هُوَ رَأْسُ الدَّعْوَةِ وَمَقْصُودُهَا وَأَصْلُهَا وَالطَّرِيقَةُ السَّمَاعِيَّةُ الْعَمَلِيَّةُ الصَّوْتِيَّةُ الْمُنْحَرِفَةُ؛ تُوَافِقُ عَلَى الْمَقْصُودِ الْعَمَلِيِّ؛ لَكِنْ لَا بِعِلْمِ؛ بَلْ بِصَوْتِ مُجَرَّدٍ أَوْ بِشِعْرِ مُهَيِّجٍ؛ أَوْ بِوَصْفِ حُبٍّ مُجْمَلٍ. فَكَمَا أَنَّ الطَّرِيقَةَ الْكَلَامِيَّةَ فِيهَا عِلْمٌ نَاقِصٌ بِلَا عَمَلٍ. فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِيهَا عَمَلٌ نَاقِصٌ بِلَا عِلْمٍ. وَالطَّرِيقَةُ النَّبَوِيَّةُ الْقُرْآنِيَّةُ السُّنِّيَّةُ الْجَمَاعِيَّةُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ كَامِلَيْنِ.

فَفَاتِحَةُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ: الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ. قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ