للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَوْقَ قَدْرِهِ بِدَرَجَاتِ. فَطَرِيقُهُمْ رَغْبَةٌ بِلَا رَهْبَةٍ إلَّا قَلِيلًا كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ رَهْبَةٌ فِي الْغَالِبِ بِرَغْبَةِ يَسِيرَةٍ وَهَذَا يُشْبِهُ مَا عَلَيْهِ النَّصَارَى مِنْ الْغُلُوِّ فِي الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَفْعَلُونَهَا مَعَ انْحِلَالِهِمْ مِنْ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِحْبَابِ لَكِنَّهُمْ يَتَعَبَّدُونَ بِعِبَادَاتِ كَثِيرَةٍ وَيَبْقَوْنَ أَزْمَانًا كَثِيرَةً عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. وَالْفَلَاسِفَةُ يَغْلِبُ عَلَيْهِمْ هَذَا الطَّرِيقُ كَمَا أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ يَغْلِبُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْقَدَرِيَّةُ الإبليسية الَّذِينَ صَدَّقُوا بِأَنَّ اللَّهَ صَدَرَ عَنْهُ الْأَمْرَانِ. لَكِنَّ عِنْدَهُمْ هَذَا تَنَاقُضٌ وَهُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. وَهَؤُلَاءِ كَثِيرٌ فِي أَهْلِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مِنْ سُفَهَاءِ الشُّعَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الزَّنَادِقَةِ كَقَوْلِ أَبِي الْعَلَاءِ المعري:

أَنَهَيْت عَنْ قَتْلِ النُّفُوسِ تَعَمُّدًا … وَزَعَمْت أَنَّ لَهَا مُعَادًا آتِيًا

مَا كَانَ أَغْنَاهَا عَنْ الْحَالَيْنِ (١)

وقول بَعْضِ السُّفَهَاءِ الزَّنَادِقَةِ: يَخْلُقُ نُجُومًا وَيَخْلُقُ بَيْنَهَا أَقْمَارًا. يَقُولُ يَا قَوْمُ غُضُّوا عَنْهُمْ الْأَبْصَارَ. تَرْمِي النسوان وَتَزْعَقُ مَعْشَرَ الْحُضَّارَ. اُطْفُوا الْحَرِيقَ وَبِيَدِك قَدْ رَمَيْت النَّارَ. وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ كُفْرَ صَاحِبِهِ وَقَتْلِهِ.


(١) سقط بعض قول المعري لخرم في الأصل
قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٧٤):
وأبيات المعري هي:
صرف الزمان مفرق الإلفين … فاحكم إلهي بين ذاك وبيني
أنهيت عن قتل النفوس تعمدا … وبعثت أنت لقبضها ملكين
وزعمت أن لها معادا ثانيا … ما كان أغناها عن الحالين