للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِي: وَأَمَّا الْكَلَامُ فِيمَا جَرَى بَيْنَ آدَمَ وَمُوسَى مِنْ الْمُحَاجَّةِ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَإِنَّمَا سَاغَ لَهُمَا الْحِجَاجُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا نَبِيَّانِ جَلِيلَانِ خُصَّا بِعِلْمِ الْحَقَائِقِ وَأُذِنَ لَهُمَا فِي اسْتِكْشَافِ السَّرَائِرِ وَلَيْسَ سَبِيلُ الْخَلْقِ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْوُقُوفِ عِنْدَمَا حَدَّ لَهُمْ وَالسُّكُوتُ عَمَّا طُوِيَ عَنْهُمْ سَبِيلُهَا وَلَيْسَ قَوْلُهُ: {فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى} إبْطَالَ حُكْمِ الطَّاعَةِ وَلَا إسْقَاطَ الْعَمَلِ الْوَاجِبِ وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَتَقْدِيمُ رُتْبَةِ الْعِلَّةِ عَلَى السَّبَبِ فَقَدْ تَقَعُ الْحِكْمَةُ بِتَرْجِيحِ مَعْنَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَسَبِيلُ قَوْلِهِ: فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى هَذَا السَّبِيلُ، وَقَدْ ظَهَرَ هَذَا فِي قَضِيَّةِ آدَمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} . إلَى أَنْ قَالَ: فَجَاءَ مِنْ هَذَا أَنَّ آدَمَ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ سُكْنَى الْجَنَّةِ إلَّا بِأَنْ لَا يَقْرَبَ الشَّجَرَةَ. لِسَابِقِ الْقَضَاءِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا وَبِهَذَا صَالَ عَلَى مُوسَى عِنْدَ الْمُحَاجَّةِ. وَبِهَذَا الْمَعْنَى قُضِيَ لَهُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى. قُلْت: وَلِهَذَا يَقُولُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - كَثِيرٌ مِنْ الرِّجَالِ إذَا وَصَلُوا إلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ أَمْسَكُوا وَأَنَا انْفَتَحَتْ لِي فِيهِ رَوْزَنَةٌ فَنَازَعْتُ أَقْدَارَ الْحَقِّ بِالْحَقِّ لِلْحَقِّ وَالرَّجُلُ مَنْ يَكُونُ مُنَازِعًا لِقَدَرِ لَا مُوَافِقًا لَهُ وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُعَظِّمُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَيُوصِي بِاتِّبَاعِ ذَلِكَ وَيَنْهَى عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ وَكَذَلِكَ شَيْخُهُ حَمَّادٌ الدباس وَذَلِكَ لِمَا رَأَوْهُ فِي