للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَصْلُ " الْمُهَاجِرِ " مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكُلُّ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فَظَلَمَهُ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ حَتَّى أَخْرَجُوهُ - لَا هَجَرَ بَعْضَ أُمُورٍ فِي الدُّنْيَا - فَصَبَرَ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُبَوِّئُهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ، كَيُوسُفَ الصِّدِّيقِ فَإِنَّهُ هَجَرَ الْفَاحِشَةَ حَتَّى أَلْجَأَهُ ذَلِكَ هَجْرَ مَنْزِلِهِ. وَاللُّبْثَ فِي السِّجْنِ بَعْدَ مَا ظُلِمَ فَمَكَّنَهُ اللَّهُ حَتَّى تَبَوَّأَ مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ يَشَاءُ. وَقَالَ الَّذِينَ لَقُوا الْكُفَّارَ: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} وَقَالَ: {إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} وَقَالَ: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} فَهَذَا كُلُّهُ صَبْرٌ عَلَى مَا قُدِّرَ مِنْ أَفْعَالِ الْخَلْقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مَدَحَ فِي كِتَابِهِ الصَّبَّارَ الشَّكُورَ. قَالَ تَعَالَى: {إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، فَالصَّبْرُ وَالشُّكْرُ عَلَى مَا يُقَدِّرُهُ الرَّبُّ عَلَى عَبْدِهِ مِنْ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ: مِنْ النِّعَمِ وَالْمَصَائِبِ: مِنْ الْحَسَنَاتِ الَّتِي يَبْلُوهُ بِهَا وَالسَّيِّئَاتِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَلَقَّى الْمَصَائِبَ بِالصَّبْرِ وَالنِّعَمَ بِالشُّكْرِ وَمِنْ النِّعَمِ مَا يُيَسِّرُهُ لَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ وَمِنْهَا مَا هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ أَفْعَالِهِ فَيَشْهَدُ الْقَدَرَ عِنْدَ فِعْلِهِ لِلطَّاعَاتِ وَعِنْدَ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ فَيَشْكُرُهُ