وَبَيْنَ هَذَيْنِ وَهَذَيْنِ قِسْمَانِ " قِسْمٌ " يَغْضَبُونَ لِرَبِّهِمْ وَلِنُفُوسِهِمْ. وَ " قِسْمٌ " يَمِيلُونَ إلَى الْعَفْوِ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحُقُوقِهِمْ فَمُوسَى فِي غَضَبِهِ عَلَى قَوْمِهِ لَمَّا عَبَدُوا الْعِجْلَ كَانَ غَضَبُهُ لِلَّهِ وَقَدْ مَثَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى وَنُوحٍ وَمُوسَى فَقَالَ: {إنَّ اللَّهَ يُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ اللَّبَنِ وَيُشَدِّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنْ الْحَجَرِ وَمَثَلُك يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إبْرَاهِيمَ وَعِيسَى وَمَثَلُك يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ وَمُوسَى} . وَأَمَّا عَفْوُ الْإِنْسَانِ عَنْ حُقُوقِهِ فَهَذَا أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ الِاقْتِصَاصُ جَائِزًا وَكَذَلِكَ غَضَبُهُ لِنَفْسِهِ تَرْكُهُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ الِاقْتِصَاصُ جَائِزًا وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْمَصَائِبِ الْحَاصِلَةِ بِقَدَرِ اللَّهِ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مُذْنِبٌ يُعَاقَبُ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الصَّبْرُ وَالتَّسْلِيمُ لِلْقَدَرِ. وَقِصَّةُ آدَمَ وَمُوسَى كانت مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنَّ مُوسَى لَامَهُ لِأَجْلِ مَا أَصَابَهُ وَالذُّرِّيَّةَ وَآدَمُ كَانَ قَدْ تَابَ مِنْ الذَّنْبِ وَغُفِرَ لَهُ وَالْمُصِيبَةُ كَانَتْ مُقَدَّرَةً فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى. وَهَكَذَا قَدْ يُصِيبُ النَّاسُ مَصَائِبَ بِفِعْلِ أَقْوَامٍ مُذْنِبِينَ تَابُوا مِثْلَ كَافِرٍ يَقْتُلُ مُسْلِمًا ثُمَّ يُسْلِمُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ يَكُونُ مُتَأَوِّلًا لِبِدْعَةِ ثُمَّ يَتُوبُ مِنْ الْبِدْعَةِ أَوْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا مُخْطِئًا فَهَؤُلَاءِ إذَا أَصَابَ الْعَبْدَ أَذًى بِفِعْلِهِمْ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمَصَائِبِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي لَا يُطْلَبُ فِيهَا قِصَاصٌ مِنْ آدَمِيٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute