للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَكِنْ قَدْ يَقُولُونَ بِالْفَرْقِ فِي الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ الَّتِي لَا يَقُومُ الْإِنْسَانُ إلَّا بِهَا مِنْ طَعَامٍ وَلِبَاسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَكْتَفُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ طَعَامٍ وَلِبَاسٍ وَيَرَوْنَ هَذَا الزُّهْدَ هُوَ الْغَايَةَ فَيَزْهَدُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَهُ وَلَا يَكْرَهُونَهُ وَلَا يُحِبُّونَهُ وَلَا يُبْغِضُونَهُ وَيَكُونُ زُهْدُهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ كَزُهْدِهِمْ فِي الْحَانَاتِ وَلِهَذَا إذَا قَدِمَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ مِنْهُمْ بَلَدًا يَبْدَأُ بِالْبَغَايَا فِي الْحَانَاتِ وَيَقُولُ: كَيْفَ أَنْتُمْ فِي قَدَرِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمَشْهَدِ بَيْنَ الْمَسَاجِدِ وَالْكَنَائِسِ وَالْحَانَاتِ، وَبَيْنَ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ، وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالْمُشْرِكِينَ بِالرَّحْمَنِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ فَنَاءَهُمْ وَغَيْبَتَهُمْ عَنْ شُهُودِ " الْإِلَهِيَّةِ وَالنُّبُوَّةِ " شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْفَرْقِ يَرْجِعُ إلَى نَقْصِ الْعِلْمِ وَالشُّهُودِ وَالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ فَشَهِدُوا نَعْتًا مِنْ نُعُوتِ الرَّبِّ وَغَابُوا عَنْ آخَرَ وَهَذَا نَقْصٌ. وَقَدْ يَرَوْنَ أَنَّ شُهُودَ الذَّاتِ مُجَرَّدَةً عَنْ الصِّفَاتِ أَكْمَلُ وَيَقُولُونَ: شُهُودُ الْأَفْعَالِ ثُمَّ شُهُودُ الصِّفَاتِ ثُمَّ شُهُودُ الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ وَرُبَّمَا جَعَلُوا الْأَوَّلَ لِلنَّفْسِ وَالثَّانِيَ لِلْقَلْبِ، وَالثَّالِثَ لِلرُّوحِ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا النَّقْصَ مِنْ إيمَانِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ وَشُهُودِهِمْ هُوَ الْغَايَةُ فَيَكُونُونَ مُضَاهِينَ للجهمية نفاة الصِّفَاتِ حَيْثُ أَثْبَتُوا ذَاتًا مُجَرَّدَةً عَنْ الصِّفَاتِ. وَقَالُوا: هَذَا هُوَ الْكَمَالُ لَكِنْ أُولَئِكَ يَقُولُونَ: بِانْتِفَائِهَا فِي الْخَارِجِ فَيَقُولُونَ: إنَّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّهَا مُنْتَفِيَةٌ وَهَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَهَا فِي