للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرِهَا فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَا خَلَقَهُ هُوَ وَلَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ مَا يَعْلَمُهُ هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ. وَقَدْ يَعْلَمُ بَعْضُ عِبَادِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْلِمُهُ إيَّاهُ إذْ لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءِ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ. وَأَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قِيَامَ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِهِ فَهَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ. وَأَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّسَلْسُلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ إذَا خَلَقَ شَيْئًا لِحِكْمَةِ تُوجَدُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَتِلْكَ الْحِكْمَةُ لِحِكْمَةِ أُخْرَى لَزِمَ التَّسَلْسُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ بِدَوَامِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ مَنْ شَكَّ: كَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ الَّذِي يَقُولُ: بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَكَأَبِي الهذيل الَّذِي يَقُولُ: بِانْقِطَاعِ حَرَكَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. فَإِنَّ هَذَيْنِ ادَّعَيَا امْتِنَاعَ وُجُودِ مَا لَا يَتَنَاهَى فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَخَالَفَهُمْ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ. وَ (الْجَوَابُ الثَّانِي) : أَنْ يُقَالَ التَّسَلْسُلُ نَوْعَانِ: (أَحَدُهُمَا) : فِي الْفَاعِلِينَ. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ فَاعِلٍ فَاعِلٌ، فَهَذَا بَاطِلٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ، وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. وَ (الثَّانِي) : التَّسَلْسُلُ فِي الْآثَارِ؛ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَيُقَالُ: إنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا. فَهَذَا التَّسَلْسُلُ يُجَوِّزُهُ أَئِمَّةُ