للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا شَأْنُ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ. وَلَيْسَ إضَافَةُ التَّأْثِيرِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى قُدْرَةِ الْعَبْدِ شِرْكًا وَإِلَّا فَيَكُونُ إثْبَاتُ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ شِرْكًا. وَقَدْ قَالَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ: {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} . {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} . فَبَيَّنَ أَنَّهُ الْمُعَذِّبُ، وَأَنَّ أَيْدِيَنَا أَسْبَابٌ وَآلَاتٌ وَأَوْسَاطٌ وَأَدَوَاتٌ فِي وُصُولِ الْعَذَابِ إلَيْهِمْ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يَمُوتَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إلَّا آذَنْتُمُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ بِصَلَاتِي عَلَيْهِ بَرَكَةً وَرَحْمَةً} . فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّحْمَةَ وَذَلِكَ إنَّمَا يَجْعَلُهُ بِصَلَاةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى هَذَا التَّحْرِيرِ فَنَقُولُ: خَلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْمَالَ الْأَبْدَانِ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَيَكُونُ لِأَحَدِ الْكَسْبَيْنِ تَأْثِيرٌ فِي الْكَسْبِ الْآخَرِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْكَسْبُ مِنْ جُمْلَةِ الْقُدْرَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَسْبِ الثَّانِي؛ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ هُنَا لَيْسَتْ إلَّا عِبَارَةً عَمَّا يَكُونُ الْفِعْلُ بِهِ لَا مَحَالَةَ: مِنْ قَصْدٍ وَإِرَادَةٍ وَسَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى الْمَخْلُوقَةِ فِي الْجَوَارِحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِهَذَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ وَامْتَنَعَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْفِعْلِ بِالزَّمَانِ. وَأَمَّا الْقُدْرَةُ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَذَاكَ حَدِيثٌ آخَرُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ.