وَلَا اخْتِيَارٍ مِثْلَ حَرَكَةِ الْأَشْجَارِ بِهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَحَرَكَةٍ. . . (١) بِإِطْبَاقِ الْأَيْدِي وَمِثْلُهُ فِي الْأَنَاسِيِّ حَرَكَةُ الْمَحْمُومِ وَالْمَفْلُوجِ وَالْمُرْتَعِشِ فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَجِدُ تَفْرِقَةً بَدِيهِيَّةً بَيْنَ قِيَامِ الْإِنْسَانِ وَقُعُودِهِ وَصَلَاتِهِ وَجِهَادِهِ وَزِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ وَبَيْنَ ارْتِعَاشِ الْمَفْلُوجِ وَانْتِفَاضِ الْمَحْمُومِ وَنَعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّلَ قَادِرٌ عَلَى الْفِعْلِ مُرِيدٌ لَهُ مُخْتَارٌ وَأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ وَلَا مُرِيدٍ لَهُ وَلَا مُخْتَارٍ. وَالْمَحْكِيُّ عَنْ جَهْمٍ وَشِيعَتِهِ " الْجَبْرِيَّةُ " أَنَّهُمْ زَعَمُوا: أَنَّ جَمِيعَ أَفَاعِيلِ الْعِبَادِ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَبِمَا بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ مِنْ الْفُرْقَانِ انْقَسَمَتْ الْأَفْعَالُ: إلَى اخْتِيَارِيٍّ وَاضْطِرَارِيٍّ وَاخْتَصَّ الْمُخْتَارُ مِنْهَا بِإِثْبَاتِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجِئْ فِي الشَّرَائِعِ وَلَا فِي كَلَامِ حَكِيمٍ أَمْرُ الْأَعْمَى بِنَقْطِ الْمُصْحَفِ وَالْمُقْعَدِ بِالِاشْتِدَادِ أَوْ الْمَحْمُومِ بِالسُّكُونِ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَجْوِيزِهِ عَقْلًا أَوْ سَمْعًا فَإِنَّمَا مَنْعُ وُقُوعِهِ بِإِجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ أَوْلَى الْعَقْلِ مِنْ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ. فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّ فِعْلِي الَّذِي أَرَدْته وَاخْتَرْته هُوَ وَاقِعٌ بِمَشِيئَتِي وَإِرَادَتِي أَلَيْسَتْ تِلْكَ الْإِرَادَةُ وَتِلْكَ الْمَشِيئَةُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَإِذَا خَلَقَ الْأَمْرَ الْمُوجِبَ لِلْفِعْلِ. فَهَلْ يَتَأَتَّى تَرْكُ الْفِعْلِ مَعَهُ؟ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْأَوَّلَ جَبْرٌ بِغَيْرِ تَوَسُّطِ الْإِرَادَةِ مِنْ الْعَبْدِ وَهَذَا جَبْرٌ بِتَوَسُّطِ الْإِرَادَةِ.
(١) بياض في الأصل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute