تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لَهُ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِمَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ ظَالِمًا؛ وَأَمَّا أُولَئِكَ فَإِذَا قَالُوا إنَّهُ يُوصَفُ بِالْمَخْلُوقِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ فَيُسَمَّى عَادِلًا وَخَالِقًا لِوُجُودِ مَخْلُوقٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ خَلَقَهُ فَإِنَّهُمْ أَلْزَمُوهُمْ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا لِخَلْقِهِ ظُلْمًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ إذْ كَانُوا لَا يُفَرِّقُونَ فِيمَا انْفَصَلَ عَنْهُ بَيْنَ مَا يَكُونُ صِفَةً لِغَيْرِهِ وَفِعْلًا لَهُ وَبَيْنَ مَا لَا يَكُونُ إذْ الْجَمِيعُ عِنْدَهُمْ نِسْبَتُهُ وَاحِدَةٌ إلَى قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَخَلْقِهِ. وَهَؤُلَاءِ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ؛ وَلَيْسَ فِي السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالْجَبْرِ وَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجْبِرُ الْعِبَادَ كَإِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُكَلِّفُهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ هَذَا سَلَبَ قُدْرَتَهُمْ عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ وَذَلِكَ سَلَبَ كَوْنَهُمْ فَاعِلِينَ قَادِرِينَ. وَلِهَذَا كَانَ الْمُقْتَصِدُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ: كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَانِي وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ أَبِي الْحَسَنِ وَكَالْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَمْثَالِهِ يُفَصِّلُونَ فِي الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ كَمَا تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي تَفْصِيلِ الْجَبْرِ فَيَقُولُونَ: تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ لِعَجْزِ الْعَبْدِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا مَا يُقَالُ إنَّهُ لَا يُطَاقُ لِلِاشْتِغَالِ بِضِدِّهِ فَيَجُوزُ تَكْلِيفُهُ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا قَاعِدًا فَفِي حَالِ الْقِيَامِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُ الْقُعُودَ وَيَجُوزَ أَنْ يُؤْمَرَ حَالَ الْقُعُودِ بِالْقِيَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute