بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ فِي وُجُودِهِ إلَى غَيْرِهِ فَكُلُّ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ فَقِيرٌ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ فَقِيرٌ أَيْضًا فِي وُجُودِهِ إلَى غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ غَنِيٍّ بِنَفْسِهِ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ فَقِيرٌ مُمْكِنٌ بِحَالِ. وَهَذِهِ الْمَعَانِي تَدُلُّ عَلَى تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَعَلَى تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ الْوَاجِبُ الْكَامِلُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ؛ لِوُجُوهِ: قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا مَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِثْلَ أَنَّ الْمُتَحَرِّكَاتِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حَرَكَةٍ إرَادِيَّةٍ وَلَا بُدَّ لِلْإِرَادَةِ مِنْ مُرَادٍ لِنَفْسِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْإِلَهُ وَالْمَخْلُوقُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِنَفْسِهِ كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا بِنَفْسِهِ؛ فَإِذَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلَانِ بِأَنْفُسِهِمَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُرَادَانِ بِأَنْفُسِهِمَا. وَأَيْضًا فَالْإِلَهُ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ لِنَفْسِهِ - إنْ لَمْ يَكُنْ رَبًّا - امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَعْبُودًا لِنَفْسِهِ وَمَنْ لَا يَكُونُ رَبًّا خَالِقًا لَا يَكُونُ مَدْعُوًّا مَطْلُوبًا مِنْهُ مُرَادًا لِغَيْرِهِ؛ فَلَأَنْ لَا يَكُونَ مَعْبُودًا مُرَادًا لِنَفْسِهِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى فَإِثْبَاتُ الْإِلَهِيَّةِ يُوجِبُ إثْبَاتَ الرُّبُوبِيَّةِ وَنَفْيُ الرِّبَوِيَّةِ يُوجِبُ نَفْيَ الْإِلَهِيَّةِ؛ إذْ الْإِلَهِيَّةُ هِيَ الْغَايَةُ وَهِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْبِدَايَةِ كَاسْتِلْزَامِ الْعِلَّةِ الغائية لِلْفَاعِلِيَّةِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَحْدَانِيَّةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ - وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا بِالْفِطْرَةِ الضَّرُورِيَّةِ الْبَدِيهِيَّةِ وَبِالشَّرْعِيَّةِ النَّبَوِيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ - فَهُوَ أَيْضًا مَعْلُومٌ بِالْأَمْثَالِ الضَّرُورِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَقَايِيسُ الْعَقْلِيَّةُ. لَكِنْ الْمُتَكَلِّمُونَ إنَّمَا انْتَصَبُوا لِإِقَامَةِ الْمَقَايِيسِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute