للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهُوَ يَتَضَمَّنُ إيرَادَ سُؤَالٍ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ. وَجَوَابَهُ مِنْهُمْ: فَإِنَّهُمْ قَدْ يَقُولُونَ: نَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ يَعْلَمُ وَإِذَا قُلْنَا ذَلِكَ لَمْ نَكُنْ قَدْ نَفَيْنَا الْقَدَرَ بَلْ أَثْبَتْنَا الْقَدَرَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ مَعَ نَفْيِ كَوْنِ الرَّبِّ تَعَالَى شَائِيًا جَمِيعَ الْحَوَادِثِ خَالِقًا لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ قَالَ النَّاظِمُ فَإِنَّ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْعَبْدُ مَسْطُورٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ بِغَيْرِهِ فَيَلْزَمُ الْجَبْرُ. وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ بِأَنْ يُقَالَ: اللَّازِمُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْمَلْزُومِ، فَإِنَّ عِلْمَهُ بِأَنَّهُ يَخْتَارُهُ مُوَافِقٌ لِمَا كَتَبَهُ مِنْ أَنَّهُ يَخْتَارُهُ وَتَغْيِيرُ الْعِلْمِ أَعْظَمُ مِنْ تَغْيِيرِ الْمَسْطُورِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ أَرَادَ جَعْلَ السَّطْرِ مِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ أَيْ لَا يُقَالُ عَلِمَ مَا يَخْتَارُهُ وَسَطَّرَ ذَلِكَ. أَيْ فَتَقَدُّمُ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ كَافٍ فِي الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ ذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ وَهَذَا مِنْ حُجَّةِ الْقَائِلِينَ بِالْجَبْرِ. قَالُوا: خِلَافُ الْمَعْلُومِ مُمْتَنِعٌ؛ فَالْأَمْرُ بِهِ أَمْرٌ بِمُمْتَنِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمَأْمُورُ لَلَزِمَ انْقِلَابُ الْعِلْمِ جَهْلًا. وَجَوَابُهُمْ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ خِلَافَ الْمَعْلُومِ لَا يَقَعُ وَلَا يَكُونُ فَهَذَا صَحِيحٌ وَلَكِنَّ التَّكْلِيفَ بِمَا لَا يَكُونُ لَا يَكُونُ تَكْلِيفًا بِمَا يَعْجِزُ عَنْهُ الْفَاعِلُ فَإِنَّ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْفَاعِلُ قَدْ لَا يَفْعَلُهُ لِعَجْزِهِ عَنْهُ وَقَدْ لَا يَفْعَلُهُ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ فَإِنَّمَا كُلِّفَ بِمَا يُطِيقُهُ مَعَ عِلْمِ الرَّبِّ