هَذِهِ الْحُدُودِ مَنْ عَادَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَبْتَدِعُوهَا وَلَمْ تَكُنْ الْكُتُبُ الْأَعْجَمِيَّةُ الرُّومِيَّةُ عُرِّبَتْ لَهُمْ. وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَهُمْ مِنْ مُبْتَدِعَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ وَمِنْ حِينِ حَدَثَتْ صَارَ بَيْنَهُمْ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَالْجَهْلِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ. وَكَذَلِكَ عِلْمُ " الطِّبِّ " و " الْحِسَابِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا تَجِدُ أَئِمَّةَ هَذِهِ الْعُلُومِ يَتَكَلَّفُونَ هَذِهِ الْحُدُودَ الْمُرَكَّبَةَ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ إلَّا مَنْ خَلَطَ ذَلِكَ بِصِنَاعَتِهِمْ مَنْ أَهْلِ الْمَنْطِقِ. وَكَذَلِكَ " النُّحَاةُ " مِثْلُ سِيبَوَيْهِ الَّذِي لَيْسَ فِي الْعَالَمِ مِثْلُ كِتَابِهِ وَفِيهِ حِكْمَةُ لِسَانِ الْعَرَبِ: لَمْ يَتَكَلَّفْ فِيهِ حَدَّ الِاسْمِ وَالْفَاعِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ. وَلَمَّا تَكَلَّفَ النُّحَاةُ حَدَّ الِاسْمِ ذَكَرُوا حُدُودًا كَثِيرَةً كُلُّهَا مَطْعُونٌ فِيهَا عِنْدَهُمْ. وَكَذَلِكَ مَا تَكَلَّفَ مُتَأَخِّرُوهُمْ مِنْ حَدِّ الْفَاعِلِ وَالْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا عِنْدَهُمْ مَنْ هُوَ إمَامٌ فِي الصِّنَاعَةِ وَلَا حَاذِقٌ فِيهَا. وَكَذَلِكَ الْحُدُودُ الَّتِي يَتَكَلَّفُهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لِلطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَهُمْ وَكَذَلِكَ الْحُدُودُ الَّتِي يَتَكَلَّفُهَا النَّاظِرُونَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِمِثْلِ الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ وَالْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا إلَّا مَنْ لَيْسَ بِإِمَامِ فِي الْفَنِّ. وَإِلَى السَّاعَةِ لَمْ يَسْلَمْ لَهُمْ حَدٌّ. وَكَذَلِكَ حُدُودُ أَهْلِ الْكَلَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute