الْجَوْهَرُ مُرَكَّبًا مِنْ عَرْضَيْنِ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ كَانَ مِنْ جَوْهَرٍ عَامٍّ وَخَاصٍّ فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ. فَبَطَلَ كَوْنُ الْحَقِيقَةِ الْخَارِجَةِ مُرَكَّبَةً. وَإِنْ جَعَلُوهَا تَارَةً جَوْهَرًا وَتَارَةً صِفَةً: كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي الْأَقَانِيمِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَقْوَالِ تَنَاقُضًا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَإِنْ قَالُوا: الْمُرَكَّبُ الْحَقِيقِيَّةُ الذِّهْنِيَّةُ الْمَعْقُولَةُ. قِيلَ - أَوَّلًا - تِلْكَ لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودَةَ بِالْحُدُودِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُطَابِقَةً لِلْخَارِجِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَرْكِيبٌ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ تَرْكِيبٌ. وَلَيْسَ فِي الذِّهْنِ إلَّا تَصَوُّرُ الْحَيِّ النَّاطِقِ. وَهُوَ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ لَهُ صِفَتَانِ كَمَا قَدَّمْنَا. فَلَا تَرْكِيبَ فِيهِ بِحَالِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ أَنَّ صِفَاتِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَجْنَاسِ مِنْهَا مَا هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا. كَالْجِنْسِ وَالْعَرَضِ الْعَامِّ وَمِنْهَا مَا هُوَ لَازِمٌ لِلْحَقِيقَةِ وَمِنْهَا مَا هُوَ عَارِضٌ لَهَا وَهُوَ مَا ثَبَتَ لَهَا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ كَالْبَطِيءِ الزَّوَالِ وَسَرِيعِهِ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الذَّاتِيِّ وَالْعَرَضِيِّ اللَّازِمِ. فَهَذَا هُوَ الَّذِي مَدَارُهُ عَلَى تَحَكُّمِ ذِهْنِ الْحَادِّ. وَلَا تَنَازُعَ فِي أَنَّ بَعْضَ الصِّفَاتِ قَدْ يَكُونُ أَظْهَرَ وَأَشْرَفَ. فَإِنَّ النُّطْقَ أَشْرَفُ مِنْ الضَّحِكِ. وَلِهَذَا ضَرَبَ اللَّهُ بِهِ الْمَثَلَ فِي قَوْلِهِ: {إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} وَلَكِنَّ الشَّأْنَ فِي جَعْلِ هَذَا ذَاتِيًّا تُتَصَوَّرُ بِهِ الْحَقِيقَةُ دُونَ الْآخَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute