للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي النَّفْسِ. وَمَعْرِفَةُ حُدُودِ الْأَسْمَاءِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ بِهَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ بَنِي آدَمَ فِي النُّطْقِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لَهُمْ لَا سِيَّمَا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ كَالْخَمْرِ وَالرِّبَا. فَهَذِهِ الْحُدُودُ هِيَ الْفَاصِلَةُ الْمُمَيِّزَةُ بَيْنَ مَا يَدْخُلُ فِي الْمُسَمَّى وَيَتَنَاوَلُهُ ذَلِكَ الِاسْمُ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ الصِّفَاتِ وَبَيْنَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ مَنْ سَمَّى الْأَشْيَاءَ بِأَسْمَاءِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ. فَإِنَّهُ أَثْبَتَ لِلشَّيْءِ صِفَةً بَاطِلَةً كَإِلَهِيَّةِ الْأَوْثَانِ. فَالْأَسْمَاءُ النُّطْقِيَّةُ سَمْعِيَّةٌ. وَأَمَّا نَفْسُ تَصَوُّرِ الْمَعَانِي فَفِطْرِيٌّ يَحْصُلُ بِالْحِسِّ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ وَبِإِدْرَاكِ الْحِسِّ وَشُهُودِهِ بِبَصَرِ الْإِنْسَانِ بِبَاطِنِهِ وَبِظَاهِرِهِ وَبِسَمْعِهِ يَعْلَمُ أَسْمَاءَهَا وَبِفُؤَادِهِ يَعْقِلُ الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَكَةَ وَالْمُخْتَصَّةَ. وَاَللَّهُ أَخْرَجَنَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لَا نَعْلَمُ شَيْئًا وَجَعَلَ لَنَا السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ. فَأَمَّا الْحُدُودُ الْمُتَكَلَّفَةُ فَلَيْسَ فِيهَا فَائِدَةٌ لَا فِي الْعَقْلِ وَلَا فِي الْحِسِّ وَلَا فِي السَّمْعِ إلَّا مَا هُوَ كَالْأَسْمَاءِ مَعَ التَّطْوِيلِ أَوْ مَا هُوَ كَالتَّمْيِيزِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ. وَلِهَذَا لَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ جَعَلُوا الْحَدَّ نَوْعَيْنِ: نَوْعًا بِحَسَبِ الِاسْمِ؛ وَهُوَ بَيَانُ مَا يَدْخُلُ فِيهِ. وَنَوْعًا بِحَسَبِ الصِّفَةِ أَوْ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمُسَمَّى وَزَعَمُوا كَشْفَ