للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَيَّانٍ مَا كَانَ مِنْ نَفْسِك فَأَحَبَّتْهُ نَفْسُك لِنَفْسِك فَهُوَ مِنْ نَفْسِك فَانْهَهَا عَنْهُ وَمَا كَانَ مِنْ نَفْسِك فَكَرِهَتْهُ نَفْسُك لِنَفْسِك: فَهُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ فَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَبَبُ ذَلِكَ. وَأَمَّا التَّقْسِيمُ إلَى الْكَاهِنِ وَالشَّاعِرِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَهُوَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ الْكَلَامَ نَوْعَانِ: خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ. وَالْكَاهِنُ يُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ مُخَلِّطًا فِيهِ الصِّدْقَ بِالْكَذِبِ لَا يَأْتُونَ بِالْحَقِّ مَحْضًا وَإِذَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّةِ أَحَدِهِمْ شَيْئًا فِي الْقَلْبِ: لَمْ يُنْسَخْ مِنْهُ بَلْ أَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى وَكَمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْكُهَّانِ لَمَّا قَالَ: {إنَّهُمْ يَزِيدُونَ فِي الْكَلِمَةِ مِائَةَ كِذْبَةٍ} بِخِلَافِ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ وَالْمُحَدِّثِ كَمَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} . وَالْقِرَاءَةُ الْعَامَّةُ لَيْسَ فِيهَا الْمُحَدِّثُ؛ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُقَرَّ عَلَى بَعْضِ الْخَطَأِ وَيُدْخِلَ الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ بَعْضَ مَا يُلْقِيهِ فَلَا يُنْسَخُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَسْخِ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَأَنْ يُحْكِمَ اللَّهُ آيَاتِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَالْمُحَدِّثُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَعْرِضَ مَا يُحَدِّثُهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. وَلِهَذَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ لِعُمَرِ وَهُوَ مُحَدِّثٌ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقِصَّةِ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِصَّةِ اخْتِلَافِهِ وَهِشَامَ بْنِ حَكِيمِ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ فَأَزَالَهُ عَنْهُ نُورُ النُّبُوَّةِ.