للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّهُمْ يُصَوِّرُونَ بِهَا الْحَقَائِقَ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ يَجْمَعُونَ بِهَا بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ لَا تُفِيدُ تَصْوِيرَ الْحَقَائِقِ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْحَدَّ مُجَرَّدُ قَوْلِ الْحَادِّ وَدَعْوَاهُ فَقَوْلُهُ مَثَلًا: حَدُّ الْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ قَضِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ وَمُجَرَّدُ دَعْوَى خَلِيَّةٍ عَنْ حُجَّةٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَمِعُ لَهَا عَالِمًا بِصِدْقِهَا بِدُونِ هَذَا الْقَوْلِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ بِهَذَا الْحَدِّ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ عِنْدَهُ فَمُجَرَّدُ قَوْلِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا دَلِيلَ مَعَهُ لَا يُفِيدُهُ الْعِلْمَ وَكَيْفَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصُومِ فِي قَوْلِهِ؟ فَتَبَيَّنَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْحُدُودِ. فَإِنْ قِيلَ: يُفِيدُهُ مُجَرَّدُ تَصَوُّرِ الْمُسَمَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْكَمَ أَنَّهُ هُوَ ذَلِكَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ مَثَلًا أَوْ غَيْرَهُ. قُلْنَا: فَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَمُجَرَّدِ دِلَالَةِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ عَلَى مَعْنَاهُ وَهُوَ دَلَالَةُ الِاسْمِ عَلَى مُسَمَّاهُ. وَهَذَا تَحْقِيقُ مَا قُلْنَاهُ: مِنْ أَنَّ دِلَالَةَ الْحَدِّ كَدَلَالَةِ الِاسْمِ وَمُجَرَّدَ الِاسْمِ لَا يُوجِبُ تَصَوُّرَ الْمُسَمَّى لِمَنْ لَمْ يَتَصَوَّرْهُ دُونَ ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ فَكَذَلِكَ الْحَدُّ.

الثَّانِي: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْحَدُّ لَا يَمْنَعُ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَإِنَّمَا يُمْكِنُ