للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَيْضًا فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْحَدِّ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ الْمَحْدُودِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ. وَإِذَا ثَبَتَ امْتِنَاعُ الطَّلَبِ لِلتَّصَوُّرَاتِ الْمُفْرَدَةِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ حَاصِلَةً لِلْإِنْسَانِ فَلَا تَحْصُلُ بِالْحَدِّ فَلَا يُفِيدُ الْحَدُّ التَّصَوُّرَ. وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ حَاصِلَةً فَمُجَرَّدُ الْحَدِّ لَا يُوجِبُ تَصَوُّرَ الْمُسَمَّيَاتِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهَا وَمَتَى كَانَ لَهُ شُعُورٌ بِهَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْحَدِّ فِي ذَلِكَ الشُّعُورِ إلَّا مِنْ جِنْسِ مَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْمِ. وَالْمَقْصُودُ هُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ فَائِدَةِ الْحَدِّ وَفَائِدَةِ الِاسْمِ. (السَّادِسُ) : أَنْ يُقَالَ: الْمُفِيدُ لِتَصَوُّرِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُمْ هُوَ الْحَدُّ الْعَامُّ الْمُؤَلَّفُ مِنْ الذَّاتِيَّاتِ؛ دُونَ الْعَرَضِيَّاتِ. وَمَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الذَّاتِيِّ وَالْعَرَضِيِّ. وَهُمْ يَقُولُونَ: الذَّاتِيُّ مَا كَانَ دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ وَالْعَرَضِيُّ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْهَا. وَقَسَّمُوهُ إلَى لَازِمٍ لِلْمَاهِيَّةِ وَلَازِمٍ لِوُجُودِهَا. وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي ذِكْرُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ فَاسِدَيْنِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ وَوُجُودِهَا ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّاتِيِّ لَهَا وَاللَّازِمِ لَهَا. (فَالْأَصْلُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَاهِيَّةَ لَهَا حَقِيقَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْخَارِجِ غَيْرَ وُجُودِهَا؛ وَهَذَا شَبِيهٌ بِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْمَعْدُومُ شَيْءٌ؛ وَهُوَ مِنْ أَفْسَدِ مَا يَكُونُ؛ وَأَصْلُ ضَلَالِهِمْ أَنَّهُمْ رَأَوْا الشَّيْءَ قَبْلَ وُجُودِهِ يُعْلَمُ وَيُرَادُ؛ وَيُمَيَّزُ بَيْنَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَالْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَقَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. كَمَا أَنَّا نَتَكَلَّمُ فِي حَقَائِقِ