وَالتَّأْخِيرَ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِطْرِيًّا كَانَتْ الْفِطْرَةُ تُدْرِكُهُ بِدُونِ التَّقْلِيدِ كَمَا تُدْرِكُ سَائِرَ الْأُمُورِ الْفِطْرِيَّةِ. وَاَلَّذِي فِي الْفِطْرَةِ أَنَّ هَذِهِ اللَّوَازِمَ كُلَّهَا لَوَازِمُ لِلْمَوْصُوفِ وَقَدْ يَخْطِرُ بِالْبَالِ؛ وَقَدْ لَا يَخْطِرُ. أَمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا خَارِجًا عَنْ الذَّاتِ وَهَذَا دَاخِلًا فِي الذَّاتِ. فَهَذَا تَحَكُّمٌ مَحْضٌ لَيْسَ لَهُ شَاهِدٌ لَا فِي الْخَارِجِ وَلَا فِي الْفِطْرَةِ.
والثَّانِي: أَنَّ كَوْنَ الْوَصْفِ ذَاتِيًّا لِلْمَوْصُوفِ: هُوَ أَمْرٌ تَابِعٌ لِحَقِيقَتِهِ الَّتِي هُوَ بِهَا سَوَاءٌ تَصَوَّرَتْهُ أَذْهَانُنَا أَوْ لَمْ تَتَصَوَّرْهُ. فَلَا بُدَّ إذَا كَانَ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ ذَاتِيًّا دُونَ الْآخَرِ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَمْرًا يَعُودُ إلَى حَقِيقَتِهِمَا الْخَارِجَةِ الثَّابِتَةِ بِدُونِ الذِّهْنِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الْخَارِجَةِ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ إلَّا مُجَرَّدُ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فِي الذِّهْنِ فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحَقِيقَةُ وَالْمَاهِيَّةُ هِيَ مَا يُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ لَا مَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ. وَذَلِكَ أَمْرٌ يَتْبَعُ تَقْدِيرَ صَاحِبِ الذِّهْنِ. وَحِينَئِذٍ فَيَعُودُ حَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ إلَى أُمُورٍ مُقَدَّرَةٍ فِي الْأَذْهَانِ لَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي الْخَارِجِ وَهِيَ التَّخَيُّلَاتُ وَالتَّوَهُّمَاتُ الْبَاطِلَةُ وَهَذَا كَثِيرٌ فِي أُصُولِهِمْ.
السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: هَلْ يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَدِّ التَّامِّ وَكَوْنِهِ يُفِيدُ تَصَوُّرَ الْحَقِيقَةِ أَنْ تُتَصَوَّرَ جَمِيعُ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ شَرَطُوا لَزِمَ اسْتِيعَابُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا وَاكْتَفَوْا بِالْجِنْسِ الْقَرِيبِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ وَإِذَا عَارَضَهُمْ مَنْ يُوجِبُ ذِكْرَ جَمِيعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute