وَقَدْ ذَكَرَ المناطقة أَنَّ الْقَضَايَا الْمَعْلُومَةَ بِالتَّوَاتُرِ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْحَوَاسِّ يَخْتَصُّ بِهَا مَنْ عَلِمَهَا وَلَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ؛ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى الْمُنَازِعِ وَهَذَا تَفْرِيقٌ فَاسِدٌ وَهُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِلْحَادِ وَالْكُفْرِ. فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ وَغَيْرِهَا. يَقُولُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ: بِنَاءً عَنْ هَذَا الْفَرْقِ هَذَا لَمْ يَتَوَاتَرْ عِنْدِي فَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَيَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ إنْكَارُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ لِمَا يَعْلَمُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ الْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لَنَا كَمَا يَقُولُ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْكُفَّارِ أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لَهُ؛ وَهَذَا لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَعْلَمُوا السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ وَالْحُجَّةُ قَائِمَةٌ عَلَيْهِمْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُمْ أَمْ لَا.
وَقَدْ ذَهَبَ الْفَلَاسِفَةُ أَهْلُ الْمَنْطِقِ إلَى جَهَالَاتٍ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ هِيَ الْعُقُولُ الْعَشْرَةُ وَإِنَّهَا قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ وَإِنَّ الْعَقْلَ رَبُّ مَا سِوَاهُ وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَقُلْ مِثْلَهُ أَحَدٌ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ رَبُّ الْعَالَمِ كُلِّهِ وَيَقُولُونَ: إنَّ الْعَقْلَ الْفَعَّالَ مُبْدِعُ كُلِّ مَا تَحْتَ فَلَكِ الْقَمَرِ وَهَذَا أَيْضًا كُفْرٌ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ كُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَيَقُولُونَ: إنَّ الرَّبَّ لَا يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَيْسَ عَالِمًا بِالْجُزْئِيَّاتِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُغَيِّرَ الْعَالِمَ؛ بَلْ الْعَالِمُ فَيْضٌ فَاضَ عَنْهُ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute