للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَيْئًا إلَّا عِلْمِي بِأَنَّ الْمُمْكِنَ يَفْتَقِرُ إلَى الْمُؤَثِّرِ. ثُمَّ قَالَ: الِافْتِقَارُ وَصْفٌ سَلْبِيٌّ فَأَنَا أَمُوتُ وَمَا عَرَفْت شَيْئًا. وَكَذَلِكَ حَدَّثُونَا عَنْ آخَرَ مِنْ أَفَاضِلِهِمْ. وَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ خَبِرَهُمْ وَيَعْرِفُ أَنَّهُمْ أَجْهَلُ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالطُّرُقِ الَّتِي تُنَالُ بِهَا الْعُلُومُ الْعَقْلِيَّةُ وَالسَّمْعِيَّةُ؛ إلَّا مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ عِلْمًا مِنْ غَيْرِ الطُّرُقِ الْمَنْطِقِيَّةِ فَتَكُونُ عُلُومُهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ؛ لَا مِنْ جِهَتِهِمْ مَعَ كَثْرَةِ تَعَبِهِمْ فِي الْبُرْهَانِ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَزِنُونَ بِهِ الْعُلُومَ وَمَنْ عَرَفَ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ الْعُلُومِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ مَا حَرَّرُوهُ فِي الْمَنْطِقِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ حُصُولَ الْعُلُومِ الْيَقِينِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى بُرْهَانِهِمْ مِنْ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ أَنَّ الْعِلْمَ بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ فَإِنْ عَرَفُوهَا بِاعْتِبَارِ الْغَائِبِ بِالشَّاهِدِ وَأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ كَمَا إذَا عَرَفْنَا أَنَّ هَذِهِ النَّارَ مُحْرِقَةٌ فَالنَّارُ الْغَائِبَةُ مُحْرِقَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِثْلُهَا وَحُكْمُ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ فَيُقَالُ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالْقِيَاسِ التَّمْثِيلِيِّ وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ بَلْ الظَّنَّ فَإِذَا كَانُوا إنَّمَا عَلِمُوا الْقَضِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ بِقِيَاسِ التَّمْثِيلِ رَجَعُوا فِي الْيَقِينِ إلَى مَا يَقُولُونَ: إنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ عِنْدَ الْإِحْسَاسِ بِالْجُزْئِيَّاتِ يَحْصُلُ فِي النَّفْسِ عِلْمٌ كُلِّيٌّ مِنْ وَاهِبِ الْعَقْلِ - أَوْ تَسْتَعِدُّ النَّفْسُ عِنْدَ الْإِحْسَاسِ بِالْجُزْئِيَّاتِ لِأَنْ يَفِيضَ عَلَيْهَا الْكُلِّيُّ مِنْ وَاهِبِ الْعَقْلِ - أَوْ قَالُوا: مِنْ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ - عِنْدَهُمْ - أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قِيلَ لَهُمْ الْكَلَامُ فِيهَا بِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْحُكْمَ الْكُلِّيَّ الَّذِي فِي النَّفْسِ عِلْمٌ لَا ظَنٌّ وَلَا جَهْلٌ.