للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ لَمْ يَكْفِهِمْ هَذَا السَّلْبُ الْعَامُّ الَّذِي تَحَجَّرُوا فِيهِ وَاسِعًا؛ وَقَصَرُوا الْعُلُومَ عَلَى طَرِيقٍ ضَيِّقَةٍ لَا تُحَصِّلُ إلَّا مَطْلُوبًا لَا طَائِلَ فِيهِ حَتَّى زَعَمُوا أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمَ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ؛ إنَّمَا يَحْصُلُ بِوَاسِطَةِ الْقِيَاسِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْحَدِّ الْأَوْسَطِ؛ كَمَا يَذْكُرُ ذَلِكَ ابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ. وَهُمْ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ خَيْرٌ مِمَّنْ نَفَى عِلْمَهُ وَعِلْمَ أَنْبِيَائِهِ مِنْ سَلَفِهِمْ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنْبِيَائِهِ وَكُتُبِهِ. فَابْنُ سِينَا لَمَّا تَمَيَّزَ عَنْ أُولَئِكَ؛ بِمَزِيدِ عِلْمٍ وَعَقْلٍ؛ سَلَكَ طَرِيقَهُمْ الْمَنْطِقِيَّ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ. وَصَارَ سَالِكُو هَذِهِ الطَّرِيقِ وَإِنْ كَانُوا أَعْلَمَ مِنْ سَلَفِهِمْ وَأَكْمَلَ فَهُمْ أَضَلُّ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَجْهَلُ إذْ كَانَ أُولَئِكَ حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ وَصِفَاتِهِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِهَؤُلَاءِ الضُّلَّالِ لِمَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ الْكِبْرِ وَالْخَيَالِ وَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ فِرْعَوْنَ وَأَمْثَالِهِ وَلِهَذَا تَجِدُهُمْ لِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مَنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالشَّرَائِعِ متنقصين أَوْ مُعَادِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إنْ فِي صُدُورِهِمْ إلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} وَقَالَ: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} .