للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِحَسَبِ عِلْمِ الْمُسْتَدِلِّ الطَّالِبِ بِأَحْوَالِ الْمَطْلُوبِ وَالدَّلِيلِ وَلَوَازِمِ ذَلِكَ؛ وَمَلْزُومَاتِهِ. فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ مَا بِهِ يَعْلَمُ الْمَطْلُوبَ مُقَدِّمَةً وَاحِدَةً؛ كَانَ دَلِيلُهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ لَهُ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ كَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْخَمْرَ مُحَرَّمٌ؛ وَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيذَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ مُسْكِرٌ؛ لَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ هُوَ خَمْرٌ. فَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَّا إلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ. فَإِذَا قِيلَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ} . حَصَلَ مَطْلُوبُهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُقَالَ: كُلُّ نَبِيذٍ مُسْكِرٌ. وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. وَلَا أَنْ يُقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ. فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مَعْلُومٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ يَخْفَى عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِبَعْضِ الْمُسْكِرَاتِ كَمَا ظَنَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ هُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ فَإِذَا ثَبَتَ لَهُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ أَنَّهُ جَعَلَهُ عَامًّا لَا خَاصًّا حَصَلَ مَطْلُوبُهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَيُرْوَى بِلَفْظَيْنِ: {كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ} . {وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ} . وَلَمْ يَقُلْ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ. كَالنَّظْمِ الْيُونَانِيِّ. فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلُّ قَدْرًا فِي عِلْمِهِ وَبَيَانِهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَيَانِهِمْ. فَإِنَّهُ إنْ قَصَدَ مُجَرَّدَ تَعْرِيفِ الْحُكْمِ لَمْ يَحْتَجْ مَعَ قَوْلِهِ إلَى دَلِيلٍ. وَإِنْ قَصَدَ بَيَانَ الدَّلِيلِ كَمَا بَيَّنَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ عَامَّةَ الْمَطَالِبِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي تُقَرِّرُ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِالْحَقِّ. وَأَحْسَنُهُمْ بَيَانًا لَهُ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ جَمِيعُ الْمَطَالِبِ تَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَتَيْنِ. وَلَا يَكْفِي فِي جَمِيعِهَا