للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ} قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَلِهَذَا كَانَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالْقُطْبِ وَلَا بِالْجَدْيِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ. بَلْ إذَا جَعَلَ مَنْ فِي الشَّامِ وَنَحْوِهَا الْمَغْرِبَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَشْرِقَ عَنْ شِمَالِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ. وَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ وَقْتِ طُلُوعِ الْهِلَالِ بِالْحِسَابِ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ عَرَفُوا أَنَّ نُورَ الْقَمَرِ مُسْتَفَادٌ مِنْ الشَّمْسِ وَأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْقُرْصَانُ عِنْدَ الِاسْتِسْرَارِ لَا يُرَى لَهُ ضَوْءٌ فَإِذَا فَارَقَ الشَّمْسَ صَارَ فِيهِ النُّورُ فَهُمْ أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَضْبُطُوا بِالْحِسَابِ كَمْ بُعْدُهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَنْ الشَّمْسِ. هَذَا إذَا قُدِّرَ صِحَّةُ تَقْوِيمِ الْحِسَابِ وَتَعْدِيلِهِ فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَهُ عِلْمَ التَّقْوِيمِ وَالتَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَعْلَى مَسِيرِ الْكَوَاكِبِ وَأَدْنَاهُ فَيَأْخُذُونَ مُعَدَّلَهُ فَيَحْسِبُونَهُ فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُمْ حَزَرُوا ارْتِفَاعَهُ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ وَلَا انْتِفَائِهَا؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَهَا أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْ صَفَاءِ الْهَوَاءِ وَكَدَرِهِ وَارْتِفَاعِ النَّظَرِ وَانْخِفَاضِهِ وَحِدَّةِ الْبَصَرِ وكلاله فَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَرَاهُ. وَيَرَاهُ مَنْ هُوَ أَحَدُّ بَصَرًا مِنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَلِهَذَا كَانَ قُدَمَاءُ عُلَمَاءِ " الْهَيْئَةِ " كَبَطْلَيْمُوسَ صَاحِبِ الْمَجِسْطِي وَغَيْرِهِ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ بِحَرْفِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِثْلَ كوشيار الدَّيْلَمِيَّ وَنَحْوِهِ لَمَّا رَأَوْا الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِاعْتِبَارِ الرُّؤْيَةِ. فَأَحَبُّوا أَنْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ بِالْحِسَابِ