وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذِكْرَ الْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ مَعَ بَعْضِ أَفْرَادِهِ أَثْبَتُ فِي الْعَقْلِ مِنْ ذِكْرِهِ مُجَرَّدًا عَنْ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ باتفاق الْعُقَلَاءِ. وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْعَقْلَ تَابِعٌ لِلْحِسِّ فَإِذَا أَدْرَكَ الْحِسُّ الْجُزْئِيَّاتِ أَدْرَكَ الْعَقْلُ مِنْهَا قَدْرًا مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا فَالْكُلِّيَّاتُ تَقَعُ فِي النَّفْسِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْجُزْئِيَّاتِ الْمُعَيَّنَةِ فَمَعْرِفَةُ الْجُزْئِيَّاتِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي مَعْرِفَةِ الْكُلِّيَّاتِ فَكَيْفَ يَكُونُ ذِكْرُهَا مُضْعِفًا لِلْقِيَاسِ وَعَدَمُ ذِكْرِهَا مُوجِبًا لِقُوَّتِهِ وَهَذِهِ خَاصَّةُ الْعَقْلِ؛ فَإِنَّ خَاصَّةَ الْعَقْلِ مَعْرِفَةُ الْكُلِّيَّاتِ بِتَوَسُّطِ مَعْرِفَةِ الْجُزْئِيَّاتِ. فَمَنْ أَنْكَرَهَا أَنْكَرَ خَاصَّةَ عَقْلِ الْإِنْسَانِ وَمَنْ جَعَلَ ذِكْرَهَا بِدُونِ شَيْءٍ مِنْ مَحَالِّهَا الْمُعَيَّنَةِ أَقْوَى مِنْ ذِكْرِهَا مَعَ التَّمْثِيلِ بِمَوَاضِعِهَا الْمُعَيَّنَةِ كَانَ مُكَابِرًا. وَقَدْ اتفق الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ ضَرْبَ الْمَثَلِ مِمَّا يُعِينُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْكُلِّيَّاتِ وَأَنَّهُ لَيْسَ الْحَالُ إذَا ذُكِرَ مَعَ الْمِثَالِ كَالْحَالِ إذَا ذُكِرَ مُجَرَّدًا عَنْهُ. وَمَنْ تَدَبَّرَ جَمِيعَ مَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ النَّاسُ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْمَعْلُومَةِ بِالْعَقْلِ فِي الطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالتِّجَارَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجَدَ الْأَمْرَ كَذَلِكَ. وَالْإِنْسَانُ قَدْ يُنْكِرُ أَمْرًا حَتَّى يَرَى وَاحِدًا مِنْ جِنْسِهِ فَيُقِرُّ بِالنَّوْعِ وَيَسْتَفِيدُ بِذَلِكَ حُكْمًا كُلِّيًّا وَلِهَذَا يَقُولُ سُبْحَانَهُ: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ إنَّمَا جَاءَهُ رَسُولٌ وَاحِدٌ. وَلَكِنْ كَانُوا مُكَذِّبِينَ بِجِنْسِ الرُّسُلِ لَمْ يَكُنْ تَكْذِيبُهُمْ بِالْوَاحِدِ بِخُصُوصِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute