للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنْ أَنْ يَكُونَ ذَاتِيَّةً لَهَا عَلَى أَصْلِهِمْ. بَلْ لَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ صِفَةٌ لَهَا فِي نَفْسِهَا بَلْ هَذِهِ صِفَاتٌ نِسْبِيَّةٌ بِاعْتِبَارِ شُعُورِ الشَّاعِرِ بِهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَضِيَّةَ قَدْ تَكُونُ حَقًّا وَالْإِنْسَانُ لَا يَشْعُرُ بِهَا؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَظُنَّهَا أَوْ يَعْلَمَهَا. وَكَذَلِكَ قَدْ تَكُونُ خَطَابِيَّةً أَوْ جَدَلِيَّةً وَهِيَ حَقٌّ فِي نَفْسِهَا بَلْ تَكُونُ بُرْهَانِيَّةً أَيْضًا كَمَا قَدْ سَلَّمُوا ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَخْبَرُوا بِالْقَضَايَا الَّتِي هِيَ حَقٌّ فِي نَفْسِهَا لَا تَكُونُ كَذِبًا بَاطِلًا قَطُّ. وَبَيَّنُوا مِنْ الطُّرُقِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا صِدْقُ الْقَضَايَا مَا هُوَ مُشْتَرِكٌ. فَيَنْتَفِعُ بِهِ جِنْسُ بَنِي آدَمَ وَهَذَا هُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ لِلنَّاسِ. وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ فَلَمْ يَسْلُكُوا هَذَا الْمَسْلَكَ. بَلْ سَلَكُوا فِي الْقَضَايَا الْأَمْرَ النِّسْبِيَّ فَجَعَلُوا الْبُرْهَانِيَّاتِ مَا عَلِمَهُ الْمُسْتَدِلُّ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يَجْعَلُوهُ بُرْهَانِيًّا وَإِنْ عِلْمَهُ مُسْتَدِلٌّ آخَرُ. وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مِنْ الْبُرْهَانِيَّاتِ عِنْدَ إنْسَانٍ وَطَائِفَةٍ مَا لَيْسَ مِنْ الْبُرْهَانِيَّاتِ عِنْدَ آخَرِينَ. فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُحَدَّ الْقَضَايَا الْعِلْمِيَّةُ بِحَدِّ جَامِعٍ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ مَنْ عَلِمَهَا وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْهَا حَتَّى إنَّ أَهْلَ الصِّنَاعَاتِ عِنْدَ أَهْلِ كُلِّ صِنَاعَةٍ مِنْ الْقَضَايَا الَّتِي يَعْلَمُونَهَا مَا لَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُمْ وَحِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ طَرِيقَتُهُمْ مُمَيِّزَةً لِلْحَقِّ مِنْ الْبَاطِلِ وَالصِّدْقِ مِنْ الْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ أَهْلِ كُلِّ صِنَاعَةٍ مِنْ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَمِنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. وَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ مَنْفَعَتُهَا مُشْتَرِكَةً بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ؛ بِخِلَافِ طَرِيقَةِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِالْقَضَايَا الصَّادِقَةِ الَّتِي تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ