للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَدَمُهُ وَيَقُولُونَ: هُوَ وَاجِبٌ بِغَيْرِهِ وَجَعَلُوا الْفَلَكَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ؛ فَخَرَجُوا عَنْ إجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ وَافَقُوهُمْ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ شَيْءٍ مُمْكِنٍ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَأَلَّا يُوجَدَ وَأَنَّهُ مَعَ هَذَا يَكُونُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا مُمْتَنِعَ الْعَدَمِ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ. وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ لِمَنْ تَصَوَّرَ حَقِيقَةَ الْمُمْكِنِ الَّذِي يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ إنَّمَا تَسَلَّطُوا عَلَى الْمُتَكَلِّمِينَ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَةَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ. وَلَمْ يَحْتَجُّوا لِمَا نَصَرُوهُ بِحُجَجِ صَحِيحَةٍ فِي الْمَعْقُولِ. فَقَصَّرَ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي مَعْرِفَةِ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ. (حَتَّى قَالُوا: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ [ثُمَّ حَدَثَ مَا حَدَثَ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ سَبَبٍ حَادِثٍ وَزَعَمُوا دَوَامَ امْتِنَاعِ كَوْنِ الرَّبِّ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ] ثُمَّ حَدَثَ مَا حَدَثَ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ سَبَبٍ حَادِثٍ وَزَعَمُوا دَوَامَ امْتِنَاعِ كَوْنِ الرَّبِّ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ فَعَّالًا لِمَا يَشَاءُ؛ لِزَعْمِهِمْ امْتِنَاعَ دَوَامِ الْحَوَادِثِ) (*) ثُمَّ صَارَ أَئِمَّتُهُمْ كَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَبِي الهذيل الْعَلَّافِ إلَى امْتِنَاعِ دَوَامِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي فَقَالَ الْجَهْمُ: بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَقَالَ أَبُو الهذيل: بِفَنَاءِ حَرَكَاتِهِمَا وَأَنَّهُمْ يَبْقَوْنَ دَائِمًا فِي سُكُونٍ وَيَزْعُمُ بَعْضُ مَنْ سَلَكَ هَذِهِ السَّبِيلَ أَنَّ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَأَنَّ كُلَّ مَا لَهُ ابْتِدَاءٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ انْتِهَاءٌ. وَلَمَّا رَأَوْا الشَّرْعَ قَدْ جَاءَ بِدَوَامِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أُكُلُهَا


(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٧٩):
وقد حصل تكرار من الناسخ بسبب انتقال نظره، والمكرر ما بين المعقوفتين، وصواب العبارة:
(حتى قالوا: إن الله لم يزل لا يفعل شيئًا ولا يتكلم بمشيئته. ثم حدث ما حدث من غير تجدد سبب حادث، وزعموا دوام امتناع كون الرب متكلما بمشيئته فعالا لما يشاء؛ لزعمهم امتناع دوام الحوادث).