للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَكُونَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. وَهُوَ أَصْلُ هَؤُلَاءِ. فَقِيلَ لَهُمْ: مَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ صِفَةُ كَمَالٍ لَا صِفَةُ نَقْصٍ وَأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَحِينَئِذٍ فَمَنْ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ صَارَ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ. وَقَالُوا لَهُمْ: إذَا قُلْتُمْ تَكَلَّمَ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْكَلَامُ مُمْتَنِعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَبَبٌ أَوْجَبَ تَجَدُّدَ قُدْرَتِهِ وَتَجَدُّدَ إمْكَانِ الْكَلَامِ لَهُ قُلْتُمْ إنَّهُ لَمْ يَزَلْ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْكَلَامِ وَلَمْ يَزَلْ الْكَلَامُ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَهُ ثُمَّ صَارَ قَادِرًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَشِيئَتِهِ مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ شَيْءٍ وَهَذَا مُخَالَفَةٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَسَلْبٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ عَنْ الْبَارِي وَجَعْلُهُ مِثْلَ الْمَخْلُوقِ الَّذِي صَارَ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ. وَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَكَمَا شَاءَ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَسَلَفِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّهُ مَخْلُوقٌ بَائِنٌ