للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَذِهِ الْوُجُوهُ وَمَا يُشْبِهُهَا تَدُلُّ عَلَى وُجُودِ وَاجِبٍ قَدِيمٍ لَيْسَ بِمَصْنُوعِ؛ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي تَعْيِينِهِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ الدَّهْرِيَّةِ يَقُولُونَ: هَذَا هُوَ الْعَالِمُ أَوْ شَيْءٌ قَائِمٌ بِهِ. ثُمَّ إنَّ افْتِقَارَ الْمُمْكِنِ إلَى الْوَاجِبِ وَالْمُحْدَثِ إلَى الْقَدِيمِ وَالْمَصْنُوعِ إلَى الصَّانِعِ مُقَدِّمَةٌ ضَرُورِيَّةٌ؛ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ النُّظَّارِ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ وَعَلَى أَنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالضَّرُورَةِ فِيهِمَا. وَالطَّرِيقُ الْعِبَادِيَّةُ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِتَوَسُّطِ الرِّيَاضَةِ وَصَفَاءِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْصُلُ لِلْقَلْبِ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ؛ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الكوراني لِعِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَمَّا جَاءَ إلَيْهِ يَطْلُبُ عِلْمَ الْمَعْرِفَةِ - وَقَدْ سَلَكَ الطَّرِيقَةَ الْكَلَامِيَّةَ - فَقَالَ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ إنَّ اللَّهَ يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ وَنَحْنُ نَقُولُ: عَرَّفَنَا نَفْسَهُ فَعَرَفْنَاهُ. وَكَمَا قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الْكُبْرَى لِابْنِ الْخَطِيبِ وَرَفِيقِهِ الْمُعْتَزِلِيِّ وَقَدْ سَأَلَاهُ عَنْ عِلْمِ الْيَقِينِ؟ فَقَالَ: هُوَ وَارِدَاتٌ تَرِدُ عَلَى النُّفُوسِ تَعْجِزُ النُّفُوسُ عَنْ رَدِّهَا فَأَجَابَهُمَا: بِأَنَّ عِلْمَ الْيَقِينِ عِنْدَنَا هُوَ مَوْجُودٌ بِالضَّرُورَةِ لَا بِالنَّظَرِ وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ. فَإِنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ: هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ نَفْسَ الْعَبْدِ لُزُومًا لَا يُمْكِنُهُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ. فَالْقَائِسُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ ابْتِدَاءً وَإِلَّا فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْنِيَ نَظَرَهُ وَقِيَاسَهُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ ضَرُورِيَّةٍ. ثُمَّ حِينَئِذٍ يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ. وَلِهَذَا: قَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْمَعَالِي الجُوَيْنِي: إنَّ جَمِيعَ الْعُلُومِ ضَرُورِيَّةٌ