الْإِرَادَةِ وَلَكِنْ تَارَةً يَقُومُ بِالْقَلْبِ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ مَا يَدْعُوهُ إلَى طَاعَتِهِ وَمِنْ إجْلَالِهِ وَالْحَيَاءِ مِنْهُ مَا يَنْهَاهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نِعْمَ الْعَبْدُ صهيب لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ أَيْ هُوَ لَمْ يَعْصِهِ وَلَوْ لَمْ يَخَفْهُ فَكَيْفَ إذَا خَافَهُ فَإِنَّ إجْلَالَهُ وَإِكْرَامَهُ لِلَّهِ يَمْنَعُهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. فَالرَّاجِي الْخَائِفُ إذَا تَعَلَّقَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ بِالتَّعَذُّبِ بِاحْتِجَابِ الرَّبِّ عَنْهُ وَالتَّنَعُّمِ بِتَجَلِّيهِ لَهُ فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ تَوَابِعِ مَحَبَّتِهِ لَهُ فَالْمَحَبَّةُ هِيَ الَّتِي أَوْجَبَتْ مَحَبَّةَ التَّجَلِّي وَالْخَوْفِ مِنْ الِاحْتِجَابِ وَإِنْ تَعَلَّقَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ بِالتَّعَذُّبِ بِمَخْلُوقِ وَالتَّنَعُّمِ بِهِ فَهَذَا إنَّمَا يَطْلُبُ ذَلِكَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ مَحَبَّتَهُ ثُمَّ إذَا وَجَدَ حَلَاوَةَ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَجَدَهَا أَحْلَى مِنْ كُلِّ مَحَبَّةٍ؛ وَلِهَذَا يَكُونُ اشْتِغَالُ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ {إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ} وَهُوَ يُبَيِّنُ غَايَةَ تَنَعُّمِهِمْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ. فَالْخَوْفُ مِنْ التَّعَذُّبِ بِمَخْلُوقِ وَالرَّجَاءُ لَهُ يَسُوقُهُ إلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ. وَهَذَا كُلُّهُ يَنْبَنِي عَلَى " أَصْلِ الْمَحَبَّةِ " فَيُقَالُ قَدْ نَطَقَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِذِكْرِ مَحَبَّةِ الْعِبَادِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} وقَوْله تَعَالَى {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وقَوْله تَعَالَى {أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} . وفي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute