مَحَبَّةً لَا يُزَاحِمُهُ فِيهَا غَيْرُهُ وَهَذِهِ مَحَبَّةٌ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلَّهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَكَهُ غَيْرُهُ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْمَحَبَّةِ وَهُوَ مَحْبُوبٌ لِذَاتِهِ وَكُلُّ مَا يُحَبُّ غَيْرَهُ - إذَا كَانَ مَحْبُوبًا بِحَقِّ - فَإِنَّمَا يُحَبُّ لِأَجْلِهِ وَكُلُّ مَا أُحِبَّ لِغَيْرِهِ فَمَحَبَّتُهُ بَاطِلَةٌ فَالدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى. وَإِذَا كَانَتْ الْخُلَّةُ كَذَلِكَ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مَحْبُوبًا لِذَاتِهِ يُنْكِرُ مخاللته. وَكَذَلِكَ أَيْضًا إنْ أَنْكَرَ مَحَبَّتَهُ لِأَحَدِ مِنْ عِبَادِهِ فَهُوَ يُنْكِرُ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَلِيلًا بِحَيْثُ يُحِبُّ الرَّبَّ وَيُحِبُّهُ الْعَبْدُ عَلَى أَكْمَلِ مَا يَصْلُحُ لِلْعِبَادِ. وَكَذَلِكَ تَكْلِيمُهُ لِمُوسَى أَنْكَرُوهُ لِإِنْكَارِهِمْ أَنْ تَقُومَ بِهِ صِفَةٌ مِنْ الصِّفَاتِ أَوْ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ فَكَمَا يُنْكِرُونَ أَنْ يَتَّصِفَ بِحَيَاةِ أَوْ قُدْرَةٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ أَنْ يَسْتَوِيَ أَوْ أَنْ يَجِيءَ فَكَذَلِكَ يُنْكِرُونَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ يُكَلِّمَ فَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ. {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} . لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ ظَاهِرًا وَالْقُرْآنُ مَتْلُوًّا لَا يُمْكِنُ جَحْدُهُ لِمَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ أَخَذُوا يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ فَتَأَوَّلُوا مَحَبَّةَ الْعِبَادِ لَهُ بِمُجَرَّدِ مَحَبَّتِهِمْ لِطَاعَتِهِ أَوْ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ فَإِنَّ مَحَبَّةَ الْمُتَقَرِّبِ إلَى الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ تَابِعٌ لِمَحَبَّتِهِ وَفَرْعٌ عَلَيْهِ فَمَنْ لَا يُحِبُّ الشَّيْءَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحِبَّ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ إذْ التَّقَرُّبُ وَسِيلَةٌ وَمَحَبَّةُ الْوَسِيلَةِ تَبَعٌ لِمَحَبَّةِ الْمَقْصُودِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ الْمَحْبُوبِ هِيَ الْمَحْبُوبَ دُونَ الشَّيْءِ الْمَقْصُودِ بِالْوَسِيلَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute