للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي آخِرِ عِلْمِ مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ حَرْفُ اللَّامِ - كَأَنَّهُ هُوَ الْعِلَّةُ الغائية الَّذِي إلَيْهِ الْحَرَكَةُ؛ كَمَا أَثْبَتَ الْمُعَلِّمُ الْأَوَّلُ وُجُودَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَرَكَةِ - الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الْمُعَلِّمُ الْأَوَّلُ عَلَى وَاجِبِ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ؛ بِكَلَامِ مُخْتَصَرٍ ذَكَرَ فِيهِ قَدْرًا يَسِيرًا مِنْ أَحْكَامِهِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ فِيهِ ابْنُ سِينَا (١) فَهَذَا مَا عِنْدَ الْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ.

وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ وَالرُّسُلُ: فَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ فِيهَا كَلَامٌ مَعْرُوفٌ؛ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَهُمْ لَمَّا ظَهَرَتْ الْمِلَّةُ الْحَنِيفِيَّةُ - الإبْراهِيمِيَّة التَّوْحِيدِيَّةُ - تَارَةً بِنُبُوَّةِ عِيسَى - لَمَّا ظَهَرَتْ النَّصَارَى عَلَى مَمْلَكَةِ الصَّابِئِينَ بِأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالرُّومِ وَغَيْرِهَا - ثُمَّ بِنُبُوَّةِ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ وَأَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ نُورِ النُّبُوَّةِ شَمْسًا طَمَسَتْ ضَوْءَ الْكَوَاكِبِ وَعَاشَ السَّلَفُ فِيهَا بُرْهَةً طَوِيلَةٍ ثُمَّ خَفِيَ بَعْضُ نُورِ النُّبُوَّةِ؛ فَعَرَّبَ بَعْضَ كُتُبِ الْأَعَاجِمِ الْفَلَاسِفَةُ مِنْ الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَالْهِنْدِ فِي أَثْنَاءِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ. ثُمَّ طُلِبَتْ كُتُبُهُمْ فِي دَوْلَةِ الْمَأْمُونِ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فَعُرِّبَتْ وَدَرَسَهَا النَّاسُ وَظَهَرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ مَا ظَهَرَ وَكَانَ أَكْثَرُ مَا ظَهَرَ مِنْ عُلُومِهِمْ الرِّيَاضِيَّةُ كَالْحِسَابِ وَالْهَيْئَةِ أَوْ الطَّبِيعَةِ كَالطِّبِّ أَوْ الْمَنْطِقِيَّةِ فَأَمَّا الْإِلَهِيَّةُ: فَكَلَامُهُمْ فِيهَا نَزْرٌ وَهُوَ مَعَ نَزَارَتِهِ لَيْسَ غَالِبُهُ عِنْدَهُمْ يَقِينًا؛ وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعُلُومِ الْإِلَهِيَّةِ الْمَوْرُوثَةِ عَنْ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ مَا مَلَأَ الْعَالَمَ نُورًا وَهُدًى،


(١) سقط قول ابن سينا من الأصل