فَعَمِلْت فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ هَذَا وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا لَيْتَنِي أُوتِيت مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا فَعَمِلْت فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ هَذَا} فَهَذَا الْحَسَدُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ أُولَئِكَ الْغِبْطَةَ وَهُوَ أَنْ يُحِبَّ مِثْلَ حَالِ الْغَيْرِ وَيَكْرَهَ أَنْ يُفَضَّلَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: إذًا لِمَ سُمِّيَ حَسَدًا وَإِنَّمَا أَحَبَّ أَنْ يُنْعِمَ اللَّهُ عَلَيْهِ؟ . قِيلَ مَبْدَأُ هَذَا الْحُبِّ هُوَ نَظَرُهُ إلَى إنْعَامِهِ عَلَى الْغَيْرِ وَكَرَاهَتُهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ وَلَوْلَا وُجُودُ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَمْ يُحِبَّ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ مَبْدَأُ ذَلِكَ كَرَاهَتَهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ الْغَيْرُ كَانَ حَسَدًا؛ لِأَنَّهُ كَرَاهَةٌ تَتْبَعُهَا مَحَبَّةٌ وَأَمَّا مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُنْعِمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْتِفَاتِهِ إلَى أَحْوَالِ النَّاسِ فَهَذَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ الْحَسَدِ شَيْءٌ. وَلِهَذَا يُبْتَلَى غَالِبُ النَّاسِ بِهَذَا الْقِسْمِ الثَّانِي وَقَدْ تُسَمَّى الْمُنَافَسَةَ فَيَتَنَافَسُ الِاثْنَانِ فِي الْأَمْرِ الْمَحْبُوبِ الْمَطْلُوبِ كِلَاهُمَا يَطْلُبُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَذَلِكَ لِكَرَاهِيَةِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ كَمَا يَكْرَهُ الْمُسْتَبِقَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَسْبِقَهُ الْآخَرُ وَالتَّنَافُسُ لَيْسَ مَذْمُومًا مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ فِي الْخَيْرِ. قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} فَأَمَرَ الْمُنَافِسَ أَنْ يُنَافِسَ فِي هَذَا النَّعِيمِ لَا يُنَافِسُ فِي نَعِيمِ الدُّنْيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute