بِخِلَافِ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَجْرِي بِلَا اخْتِيَارِ الْعَبْدِ كَالْمَرَضِ وَمَوْتِ الْعَزِيزِ عَلَيْهِ وَأَخْذِ اللُّصُوصِ مَالَهُ فَإِنَّ تِلْكَ إنَّمَا يُثَابُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا لَا عَلَى نَفْسِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمُصِيبَةِ؛ لَكِنَّ الْمُصِيبَةَ يُكَفَّرُ بِهَا خَطَايَاهُ فَإِنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَمَا يَتَوَلَّدُ عَنْهَا. وَاَلَّذِينَ يُؤْذَوْنَ عَلَى الْإِيمَانِ وَطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَحْدُثُ لَهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَرَجٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ حَبْسٌ أَوْ فِرَاقُ وَطَنٍ وَذَهَابُ مَالٍ وَأَهْلٍ أَوْ ضَرْبٌ أَوْ شَتْمٌ أَوْ نَقْصُ رِيَاسَةٍ وَمَالٍ هُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ كَالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَهَؤُلَاءِ يُثَابُونَ عَلَى مَا يُؤْذَوْنَ بِهِ وَيُكْتَبُ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ كَمَا يُثَابُ الْمُجَاهِدُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالتَّعَبِ وَعَلَى غَيْظِهِ الْكُفَّارَ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ لَيْسَتْ عَمَلًا فَعَلَهُ يَقُومُ بِهِ لَكِنَّهَا مُتَسَبِّبَةٌ عَنْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا مُتَوَلِّدَةٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يُقَالُ إنَّهَا فِعْلٌ لِفَاعِلِ السَّبَبِ أَوْ لِلَّهِ أَوْ لَا فَاعِلَ لَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ فَاعِلِ السَّبَبِ وَسَائِرِ الْأَسْبَابِ وَلِهَذَا كُتِبَ لَهُ بِهَا عَمَلٌ صَالِحٌ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ " الْحَسَدَ " مَرَضٌ مِنْ أَمْرَاضِ النَّفْسِ وَهُوَ مَرَضٌ غَالِبٌ فَلَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنْ النَّاسِ وَلِهَذَا يُقَالُ: مَا خَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute