عَمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَهُ وَأَفْضِلْ عَلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَمِيرَهُ؛ وَاحْتَجْ إلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَسِيرَهُ. فَكَذَلِكَ طَمَعُ الْعَبْدِ فِي رَبِّهِ وَرَجَاؤُهُ لَهُ يُوجِبُ عُبُودِيَّتَهُ لَهُ؛ وَإِعْرَاضَ قَلْبِهِ عَنْ الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ، وَالرَّجَاءِ لَهُ يُوجِبُ انْصِرَافَ قَلْبِهِ عَنْ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ؛ لَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ يَرْجُو الْمَخْلُوقَ وَلَا يَرْجُو الْخَالِقَ؛ بِحَيْثُ يَكُونُ قَلْبُهُ مُعْتَمِدًا إمَّا عَلَى رِئَاسَتِهِ وَجُنُودِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَمَمَالِيكِهِ؛ وَإِمَّا عَلَى أَهْلِهِ وَأَصْدِقَائِهِ؛ وَإِمَّا عَلَى أَمْوَالِهِ وَذَخَائِرِهِ؛ وَإِمَّا عَلَى سَادَاتِهِ وَكُبَرَائِهِ؛ كَمَالِكِهِ وَمَلِكِهِ؛ وَشَيْخِهِ وَمَخْدُومِهِ وَغَيْرِهِمْ؛ مِمَّنْ هُوَ قَدْ مَاتَ أَوْ يَمُوتُ. قَالَ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} . وَكُلُّ مَنْ عَلَّقَ قَلْبَهُ بِالْمَخْلُوقَاتِ أَنْ يَنْصُرُوهُ أَوْ يَرْزُقُوهُ أَوْ أَنْ يَهْدُوهُ خَضَعَ قَلْبُهُ لَهُمْ؛ وَصَارَ فِيهِ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ لَهُمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ؛ وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ أَمِيرًا لَهُمْ مُدَبِّرًا لَهُمْ مُتَصَرِّفًا بِهِمْ؛ فَالْعَاقِلُ يَنْظُرُ إلَى الْحَقَائِقِ لَا إلَى الظَّوَاهِرِ؛ فَالرَّجُلُ إذَا تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِامْرَأَةٍ وَلَوْ كَانَتْ مُبَاحَةً لَهُ يَبْقَى قَلْبُهُ أَسِيرًا لَهَا تَحْكُمُ فِيهِ وَتَتَصَرَّفُ بِمَا تُرِيدُ؛ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ سَيِّدُهَا لِأَنَّهُ زَوْجُهَا. وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ أَسِيرُهَا وَمَمْلُوكُهَا لَا سِيَّمَا إذَا دَرَتْ بِفَقْرِهِ إلَيْهَا؛ وَعِشْقِهِ لَهَا؛ وَأَنَّهُ لَا يَعْتَاضُ عَنْهَا بِغَيْرِهَا؛ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَحْكُمُ فِيهِ بِحُكْمِ السَّيِّدِ الْقَاهِرِ الظَّالِمِ فِي عَبْدِهِ الْمَقْهُورِ؛ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْخَلَاصَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute