وَبَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي عِلَلِ الْمَقَامَاتِ جَعَلَ الْحُبَّ وَالرِّضَا وَالْخَوْفَ وَالرَّجَاءَ مِنْ مَقَامَاتِ الْعَامَّةِ بِنَاءً عَلَى مُشَاهَدَةِ الْقَدَرِ وَأَنَّ مَنْ شَهِدَ الْقَدَرَ فَشَهِدَ تَوْحِيدَ الْأَفْعَالِ حَتَّى فَنِيَ مَنْ لَمْ يَكُنْ وَبَقِيَ مَنْ لَمْ يَزُلْ يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَهَذَا كَلَامٌ مُسْتَدْرَكٌ حَقِيقَةً وَشَرْعًا. أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَإِنَّ الْحَيَّ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ لَا يَكُونَ حَسَّاسًا مُحِبًّا لِمَا يُلَائِمُهُ مُبْغِضًا لِمَا يُنَافِرُهُ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْحَيَّ يَسْتَوِي عِنْدَهُ جَمِيعُ الْمَقْدُورَاتِ فَهُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إمَّا أَنَّهُ لَا يَتَصَوَّرُ مَا يَقُولُ بَلْ هُوَ جَاهِلٌ وَإِمَّا أَنَّهُ مُكَابِرٌ مُعَانِدٌ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ حَصَلَ لَهُ حَالٌ أَزَالَ عَقْلَهُ - سَوَاءٌ سُمِّيَ اصْطِلَامًا أَوْ مَحْوًا أَوْ فَنَاءً أَوْ غَشْيًا أَوْ ضَعْفًا - فَهَذَا لَمْ يُسْقِطْ إحْسَاسَ نَفْسِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ لَهُ إحْسَاسٌ بِمَا يُلَائِمُهُ وَمَا يُنَافِرُهُ وَإِنْ سَقَطَ إحْسَاسُهُ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ بِجَمِيعِهَا. فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُشَاهِدَ لِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ يَدْخُلُ إلَى مَقَامِ الْجَمْعِ وَالْفَنَاءِ فَلَا يَشْهَدُ فَرْقًا فَإِنَّهُ غالط بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ. لَكِنْ إذَا خَرَجَ عَنْ الْفَرْقِ الشَّرْعِيِّ بَقِيَ فِي الْفَرْقِ الطَّبْعِيِّ فَيَبْقَى مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ لَا مُطِيعًا لِمَوْلَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute